بين مختبرات الأسلحة البيولوجية ومرتزقة الحرب والسياسة.. عندما لا نفكر بمن سيموت!
| فراس عزيز ديب
ابتسم فأنت في عالم يلفه الجنون، فخليفة المسلمين استقبل رئيس الكيان الصهيوني استقبال الفاتحين، «الخليفة» الذي لم يترك أحداً لم يعيره بالتطبيع، تجاوز التطبيع والمطبّعين حتى اضطر بخطوته هذه للاستعانة بجيوش المفتين وتجار الدين ليبرروها له بمسمى «وإن جنحوا للسلم فاجنح لها»، حتى لتحسب وكأنك ترى دخاناً يعمي الأبصار يخرج من فوهات بنادق الجيش التركي وهو يخوض معارك الدفاع عن القدس، هنا جاء دور السلاح الأهم الذي يمتلكه مرتزقة الإسلام السياسي، لتبدأ الفتاوى التي تشيد بالحدث، واهمٌ من لا يعتقد بتكرار التاريخ، فلكلّ خليفة دجّال، دجالون يقدمون له ما لذّ وطاب من خمر المسوّغات القذرة ولبن التلون الحاقد، حتى تلك «الحركة» التي طعنت دمشق كآخر حصن للمقاومة في الظهر، هلّلت للحدث لدرجة تحسبهم فيها وكأنهم سينشدون مع صورة رجب أردوغان وهو يعبر سجادات العار الحمراء والزرقاء «طلع البدر علينا»، لم الاستغراب؟ إذا كان بعض مرتزقة الإخوان المجرمين يصفون زوجة المجرم أردوغان التي استضافت زوجة رئيس الكيان بـ«أم المؤمنين»؟! واللافت أن هناك من لا يزال يصر على التوسط لكي تفتح أبواب دمشق من جديد لهذه الحركة.
اللافت أن حلفاء أردوغان الذين من المفترض أنهم ضد الكيان الصهيوني، صمتوا عن إعطاء رأيهم بالجناح الثاني لـ«الأمة الإسلامية» وهو يستقبل رئيس الكيان الصهيوني، بالسياق ذاته، بدا واضحاً وكأن لهذه الزيارة مفعول القنبلة الدخانية التي تغطي حدثاً ما يبدو أكثر أهمية، هذا الحدث تجسد بقيام وفد قطري بزيارة الكيان الصهيوني بعيداً عن الإعلام، ترى ما الذي حمله الوفد القطري؟ هناك من سيذهب باتجاه عملية التطبيع مع دولة عربية جديدة، وهو بصراحة تفكير ساذج، من قال إنّ المشيخة لم تطبّع حتى الآن؟
ربما إن ما يريده القطريون واضح وصريح، ترتيبات ما بعد إزاحة الرئيس الفلسطيني محمود عباس والتي سيكون لحماس فيها اليد الطولى، أما إجبار حماس على القبول بما يقبله القطري والتركي فهو مشروط بطرد القيادات الحمساوية في كلا البلدين حال عدم ذهابهما بعيداً في هذا السياق، هدف الدخول القطري والتركي المفاجئ على هذا الخط هو محاولة استباقية لضرب أي تلاق عربي عربي يشمل كلاً من سورية والسعودية ومصر والإمارات، يريد القطريون السيطرة على القرار الفلسطيني قبل حدوث هذا التلاقي.
هذه التطورات الجديدة وسعي كل جهة لبناء مسارات جديدة، قد تجعل من صديق الأمس عدو اليوم، والعكس صحيح، ما كانت لتحدث لولا حالة التشتت التي يعيشها العالم بعد بدء الحرب الروسية الأوكرانية، هو توقيت يمكننا وصفه بالوقت بدل الضائع الذي تسعى فيه كل الدول لتدوير الزوايا، كان واضحاً أننا أمام معركة ستبدّل وجه العالم في شتى المجالات، لأنها معركة متشعبة كنتاج لصدامات سياسية عمرها عقود وطموحات عسكرية عمرها قرون، لدرجة نشعر في كل يوم من هذه الحرب بأن ليس كل من يحاضر بالعفة على الطريقة الأردوغانية كان نزيهاً، وجديد هذه الفكرة أن الولايات المتحدة الأميركية التي كانت تطارد حتى السوائل المستخدمة في صناعة المنظفات القادمة إلى الدول التي لا تدور في فلكها بذريعة حماية العالم من إنتاج السلاح الكيميائي، بدت وكأنها تمتلك مخابر في دول العالم لإنتاج ما هو أفظع وأشد شراسة؛ السلاح البيولوجي!
بالمبدأ العام، عندما تجبر عدوك على الاعتراف بما يخفيه من برامج لتطوير أسلحة وتقنيات محرمة دولياً، فهذا يعني بأنك امتلكت الأدلة الدامغة على ما هو أبعد من مجرد مختبرات بيولوجية، القضية ليست فقط بفيروس كورونا وتسريع اتهام الصين بالمسؤولية عن انتشاره، القضية تتجاوز ذلك بكثير، من السلاح الذي تم استخدامه في العراق، وصولاً إلى الحدث الأشهر الذي لا يزال هناك من يصمت عنه وهو التسونامي الشهير الذي ضرب بالي في إندونيسية عام 2004 وما حكي عن تجربة نووية في قاع المحيط، وصولاً إلى لغز اختفاء الطائرة الماليزية المتجهة إلى الصين في العام 2014، كل هذه الحوادث يبدو واضحاً بأن خلفها ألغاز ربما لن يكتب الله لنا عمراً لنشاهد الاعتراف بالمسؤولية عنها، لكن كونوا على ثقة بأن يوم كشفها سيكون من الأيام الفاصلة في التاريخ.
يدرك الروس بأن حجم ما يمتلكونه من حقائق حول المختبرات البيولوجية يكفي لكي يجبر الولايات المتحدة على التهدئة، لكن دخول الصين على الخط مباشرةً بشكل متناغم مع الرواية الروسية، يعطينا فكرة بأن الطرفين قد يذهبا بعيداً في هذا الملف، تحديداً أن الجانب الصيني والذي كان طوال السنوات الماضية متّهماً دونما إثبات، بات اليوم قادراً على استعادة زمام المبادرة في الدفاع عن براءته.
اللافت أن الحديث عن المختبرات البيولوجية التي تديرها الولايات المتحدة في أوكرانية، غاب تماماً عن الإعلام الغربي، فالإعلام الفرنسي مثلاً مرّ عليها مرور الكرام، فيما جاهد لكي يزرع في عقل المتابع بأن هناك تخوفات من استخدام الروس للسلاح الكيميائي في أوكرانيا، هذا السيناريو كنا شاهدناه في سورية مسبقاً، حيث كان يسبق كل اتهام مباشر للجيش العربي السوري باستخدام السلاح الكيميائي ضد المدنيين، تغطية إعلامية أو تصريحات رسمية تتوقع حدوث هذا الاعتداء، وللصدفة فإن هذا الاعتداء كان يتم! السيناريو نفسه اليوم يتكرر في الحالة الروسية مع أوكرانيا، فهل سنشاهد هجمات كيميائية محدودة التأثير؟
نكاد نجزم بأن هذه المسرحيات قادمة، والذي نتمناه بأن تبقى بإطار المسرحيات الإعلامية ولا تكون هجمات حقيقية لإثبات الضرر والتي سيدفع ثمنها الشعب الأوكراني، هذا الأمر يبدو واضحاً من التعاطي الغربي حتى الآن مع القضية الأوكرانية، أرادوا أوكرانيا مسرحاً، وجلسوا بعد ذلك يتباكون على ما يجري فيها، اليوم تجاوز الأمر فكرة تحول أوكرانيا إلى مسرح، بل إلى ملقى للمرتزقة الراغبين في القتال، أليس هذا الأمر إشارة بأن ما يجري ليس بحرب قصيرة الأمد؟!
ربما لم يدرك الأوروبيون حتى الآن خطورة هذا التوجه، تحديداً أن نوعية المقاتلين الذين سيتم جلبهم لن تختلف كثيراً عن النوعيات التي تم استجلابها لقتال كل الأنظمة التي تعارض الناتو، هناك من سيقول وماذا عن الروس؟ ألم يفتح الرئيس فلاديمير بوتين الباب أمام قوم الراغبين في القتال؟
في الحقيقة تبدو المقاربة هنا غير موفقة، فالغرب يتحدث عن مقاتلين يتم جلبهم للقتال على الجبهات، أما الروس فتحدثوا عن «متطوعين» حتى أن بوتين ركّز بكلامه على فكرة المساعدة بدون مقابل مادي، بالسياق ذاته هناك فرق كبير بين أن يكون هناك متطوع للقتال مع دولة ما، ومتطوع للقتال في دولة فاشلة، من الذي سيضبط هؤلاء يوماً ما؟ ما هي المرجعية التي سيحاربون تحت رايتها؟ ماذا لو تكرر السيناريو الأفغاني عندما شكّل الأميركيون لواء المجاهدين العرب في الشيشان وأفغانستان ضد الروس الكفرة؟! ما هو ذاك السحر الأميركي الذي يجعل الأوروبيين يقبلون بداومة كهذه على حدودهم؟
في الخلاصة: نعم علينا أن نبتسم لأننا في عالم مجنون، فكل هذا البؤس لن ينهيه إلا هكذا جنون، لم تعد المعارك الجارية على الأرض هي فقط ما يشي بأهمية هذه المعركة وما سينتج عنها من تفاهمات، ولا حتى الحرب الاقتصادية التي بدت كمعركة تكسير عظم يدفع ثمنها من فرض العقوبات أكثر ممن فرضت عليه، هي التي تحدّد الخط البياني لمن يحقق نقاط النصر، نحن ببساطة أمام حرب مركبة المنتصر فيها من لا يفكر وهو يخوضها بمن سيموت.. بل بمن سيعيش.