«على جثتي سيمد أنبوب الغاز إلى الخارج. وهذا مطلب شعب كردستان وسأنفذه ولن أختار الصمت أو العار أمام حياة الشعب ومستقبله». هذا ما أعلنه بافل جلال طالباني رئيس حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، لممثلي الدول الأجنبية والمنظمات والمؤسسات الدولية العاملة في إقليم كردستان في الـ28 من نيسان 2022 بحضور أعضاء من مكتب حزبه السياسي، مضيفاً «لا نريد أن نجلب معاناة أخرى إلى إقليمنا، وسنعمل على حل هذه القضية بشفافية»، مؤكداً «لن نقبل باستمرار هذا الوضع ولن نسمح لأي قوة أو طرف بإثراء نفسه على حياة الناس».
تصريحات بافل طالباني جاءت رداً على توجهات رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور البارزاني بمد خط أنبوب للغاز عبر الأراضي التركية التي بدأت تتكشف بعد إعلانه في منتدى الطاقة العالمي المنعقد في دبي في الـ28 من آذار 2022، من أن إقليم كردستان سيصبح «مصدراً للغاز إلى بقية العراق وتركيا وأوروبا في المستقبل القريب»، وتتوضح بعد زياراته الخارجية الأخيرة إلى الإمارات وتركيا وبريطانيا.
الغضب الطالباني من اللبارزاني، هو في الأساس خلاف على الحصص من الثروات الطبيعية العراقية المهربة والمسروقة، وعلى تقاسم إيرادات الإقليم المالية المختلفة، في ظل الأزمة المالية الخانقة التي يعيشها إقليم كردستان منذ العام 2014، إلى جانب التنافس المحتدم على منصب رئاسة جمهورية العراق. كما يُعد تحذيراً لآل البارزاني، بأنهم لن يستطيعوا بيع الغاز من دون موافقته، خاصة أن أغلب الحقول الغازية تقع في محافظة السليمانية، التي يسيطر عليها حزب الاتحاد الوطني الكردستاني ويديرها، في ظل انقسام الإقليم الفعلي إلى إدارتين منفصلتين واحدة في أربيل وثانية في السليمانية من دون الإعلان عن ذلك رسمياً.
المحكمة الاتحادية العليا العراقية كانت قد أعلنت في الـ15 من شباط 2022، حكماً يقضي بعدم دستورية قانون النفط والغاز لحكومة إقليم كردستان، الصادر عام 2007، وإلغائه لمخالفته أحكام مواد دستورية، فضلاً عن إلزام الإقليم بتسليم كامل الإنتاج النفطي إلى الحكومة الاتحادية. إلا أن الإقليم رفض الحكم، حيث اعتبرت الرئاسات الثلاث (الإقليم، ورئاسة الوزراء، ورئاسة البرلمان) إضافة إلى مجلس القضاء في إقليم كردستان، في بيان مشترك لهم في الأول من آذار 2022، أن «القرار غير مقبول، وأن الإقليم سيواصل ممارسة حقوقه الدستورية ولن يتخلى بأي شكل عن حقوقه وصلاحياته الدستورية»، كما أعلن رئيس حكومة الإقليم مسرور البارزاني في مؤتمر صحفي في الـ3 من آذار 2022، أن «قرار المحكمة الاتحادية لن ينفذ في إقليم كردستان»، معتبراً «المحكمة الدستورية غير شرعية»!
هوشيار زيباري الذي استبعدته المحكمة الاتحادية العليا من الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية، هاجم قرارات المحكمة الاتحادية، وقال لقناة «بي بي سي عربي» في الـ22 من شباط 2022: إن بعض قضاة المحكمة الاتحادية «كان بعثياً ومشمولاً بالاجتثاث، لكن جرى استثناؤهم، وإن بعضهم، كان سنيّاً ثم تحول إلى المذهب الشيعي»، وإن «من نصبهم في مواقعهم الحالية إنما هي قوى ميليشياوية»!
وخلافاً لما ينص عليه الدستور وقانون وزارة الموارد المائية العراقية، وقعت وزارة الزراعة ومصادر المياه في حكومة إقليم كردستان في مطلع نيسان الماضي، مذكرة تفاهم مع شركة «باور تشاينا» لبناء أربعة سدود جديدة، من دون التنسيق مع حكومة المركز، بل من دون علمها.
المتحدث الرسمي باسم وزارة الموارد المائية الاتحادية علي راضي، قال لصحيفة «الصباح» بتاريخ الرابع من نيسان الماضي: إن «حكومة كردستان لم تبلغ أو تنسق مع الوزارة الاتحادية بشأن إنشاء تلك السدود»!
ومن دون أي شك، عقود السدود الموقعة، ستؤثر في الثروة المائية والزراعية والسمكية في باقي المدن العراقية الوسطى والجنوبية، وقد تجعل بلاد الرافدين بلا رافدين.
وزير المالية علي عبد الأمير علاوي، أكد في كلمة له على هامش اجتماعات فصل الربيع للبنك وصندوق النقد الدوليين بواشنطن في الـ22 من نيسان 2022، أن «الحكومة الاتحادية لم تتلق أي نقد أو حساب من إقليم كردستان رغم أنه ملزم بدفع عائدات صادرات النفط والجمارك والرسوم والضرائب الأخرى المرتبطة بالإقليم وخاصة الجمارك»، مبيناً أن «الحكومة الاتحادية قدمت مبالغ إضافية إلى إقليم كردستان لعدم قدرته العام الماضي على دفع نفقات رواتب موظفي الخدمة المدنية»!
العجيب أن، لا الحكومة الاتحادية العراقية، ولا المجلس النيابي، رداً على استخفاف البارزاني بقرارات المحكمة الاتحادية العليا، كما لم يعلقا بأي شيء بشأن مد أنبوب للغاز عبر تركيا! وكأن الموضوع يخص دولة أخرى، حتى إنه لم يتخذ أي شيء بشأن السدود الأربعة المزمع إنشاؤها في إقليم كردستان.
ما يجري، سرقات علنية لثروات الشعب العراقي، نفطاً وغازاً ومالاً ومياهاً، برعاية أميركية وإسرائيلية، ولا من رادع!