انشغال موسكو عن الملف الحيوي لا يبدل رؤيتها للحل وتأثير محدود لـ«دبلوماسية الضغوط» من واشنطن … مصالح إستراتيجية بين سورية وروسيا في محاربة الإرهاب
| حلب- خالد زنكلو
لا تزال روسيا متمسكة بالمسارات السياسية لحل الأزمة في سورية التي توليها عناية خاصة كأبرز الأولويات لسياستها الخارجية، وتعدّها «ضرورة إستراتيجية» ملحة لأسباب عديدة، في مقدمتها أنها نقطة متقدمة لمكافحة الإرهاب الدولي، ولذلك فهي حريصة على ثوابت الوجود العسكري فيها على الرغم من «إعادة تموضع» قواتها، وما يروج عن انسحابات لا تعدو كونها «جزئية» وفي إطار «إعادة الهيكلة».
ونفى خبراء بالعلاقات السورية الروسية خفوت اهتمام موسكو بالملف السوري على خلفية العملية العسكرية التي تقوم بها روسيا ضد النازيين في أوكرانيا منذ نحو ثلاثة أشهر من انطلاقتها، على اعتبار أن ملف أوكرانيا منفصل ومستقل عن ملف سورية، على الرغم من محاولة واشنطن الربط بينهما لمناكفة موسكو وزيادة الضغوط عليها في مناطق نفوذها الدولية عبر «دبلوماسية الضغوط» ذات التأثير المحدود بالملف السوري، لحد الآن.
ورأى الخبراء في تصريحات لـ«الوطن»، أن تقليص عدد القوات الروسية في مناطق محددة من سورية «إجراء عملياتي» مرتبط بمجريات الحرب في أوكرانيا ومدى حاجتها إلى خبراء ونخبة تمرسوا في مكافحة إرهاب تنظيمي داعش و«النصرة» الإرهابيين على مدار نحو 7 سنوات في الأراضي السورية، ومن دون أن يحول ذلك دون إمساك موسكو بخيوط اللعبة ودوام نفوذها بالشكل الذي يمكنها من فرض الحل المناسب للأزمة وفق أجندتها ورؤية دمشق للحل.
وأعربوا عن اعتقادهم، أن تداعيات الحرب في أوكرانيا إلى الآن لم تلق بظلال كبيرة ومؤثرة على الحضور العسكري الروسي في المشهد السوري إلا بهوامش وحدود ضيقة، في مقابل ثبات النفوذ الدبلوماسي على حاله، بدليل معارضتها تمديد آلية إيصال المساعدات الأممية عبر الحدود مطلع تموز المقبل من خلال معبر باب الهوى على الحدود التركية – السورية، بحسب ما صرح به نائب مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة دميتري بوليانسكي، خلال اجتماع عقده مجلس الأمن الدولي أول من أمس الجمعة لأنها «تنتهك سيادة سورية ووحدة أراضيها» ولم تفض للبدء بإيصال المساعدات على نطاق كامل عبر «خطوط التماس» مع أن موسكو سمحت أكثر من مرة بالموافقة على تمديد هذه الآلية.
ومما يؤكد إصرار روسيا على التمسك بمسارات الحل للأزمة السورية، وحسب الخبراء، عقدها للجولة 18 من مسار «أستانا» نهاية الشهر الجاري وثامن جولات اللجنة المصغرة لمناقشة تعديل الدستور في جنيف نهاية الشهر ذاته، عدا تمسكها بالاتفاقيات الموقعة مع الجانب التركي مثل «سوتشي» و«موسكو» لضبط استقرار المناطق المتوترة والحفاظ على خطوط التماس الثابتة منذ أكثر من سنتين.
وبينوا، أن مسعى الإدارة الأميركية لتعزيز حضورها في مناطق شرق الفرات أخيراً من بوابة استثناءات ما يسمى «قانون قيصر»، وعن طريق إعادة تأهيل قاعدة «خراب عشك» جنوب مدينة عين العرب بريف حلب الشرقي، مرده إلى وضع حد لمغامرات زعيم النظام التركي رجب طيب أردوغان الراغب باحتلال المنطقة الواقعة تحت سيطرة حليف واشنطن ميليشيات «قوات سورية الديمقراطية – قسد» الانفصالية، بعد موجة التصعيد العسكري الأخيرة ورهانه على إقامة ما يسميه «منطقة آمنة» تضم عين العرب، وليس ربط التعاون مع موسكو بتوترات أوكرانيا التي لم تظهر تفاعلاتها الجيوسياسية في الملف السوري بشكل لافت، على الأقل راهناً، لرغبة الجهات الفاعلة في الملف ببقاء مصالحها بلا تغيير لقاء تكيفها ولتفادي صراع أوسع بين روسيا وحلف «الناتو» الذي تعد تركيا أحد أعضائه، لكن الجانب الأكبر من مصالح أنقرة في سورية مرتبط بموسكو وليس مع واشنطن.
الخبراء، وجدوا في استمرار تصعيد حملة القصف الجوي الروسية على مواقع ومعاقل داعش في البادية السورية وبغاراتها المستمرة على أهداف لإرهابيي النظام التركي في منطقة «خفض التصعيد» شمال غرب سورية خلال الأشهر الثلاثة المنصرمة، بغض النظر عن مجريات الحرب في أوكرانيا، رسائل مهمة عن عزم موسكو مكافحة الإرهاب الدولي في سورية وتوجيه رسائل للأطراف الفاعلة بالملف السوري عن المصالح الاستراتيجية المتبادلة التي تربط بين موسكو ودمشق في إطار عملية مكافحة التنظيمات الإرهاب العابرة للحدود، ونية موسكو عدم التفريط بها.
ولفتوا إلى الدور الروسي المهم والرئيسي في مواجهة داعش، بعد شنها أول من أمس، وبالتعاون مع الجيش العربي السوري وحلفائه، حملة عسكرية واسعة ضد التنظيم، هي الأضخم منذ 3 سنوات، لكبح نشاطه والسيطرة على البادية السورية بشكل كامل وعبر 7 محاور ممتدة من أرياف دير الزور إلى أرياف حمص.