اعتدنا في السنواتِ الأخيرة ومع كلّ جريمةٍ تهز مجتمعنا وتتحول إلى قضيةِ رأي عام كقيامِ أبٍ بتعذيبِ ابنهِ حتى الموت، أو قيام بعض المراهقين باغتصابِ طفلة أو طفل، أن تخرج علينا العبارات التي تربط كل هذهِ الأفعال بتبعاتِ الحرب بما فيها آفةَ مواقع التواصل الاجتماعي، البعض الآخر يذهب أبعدَ من ذلِك حيث يرى مجرد قيام الأطفال باللعب بلعبةِ الحرب هو خرق لبراءةِ الطفولة، ليبدأ الحديث عن الانحلال والتفكك الذي أصابَ المجتمع لننتهي بالكثير من الإحباط حول المستقبل الذي ينتظرنا.
مما لاشكَّ فيهِ بأن إزالة نتائج الحروب من الناحية النفسية والاجتماعية أصعبَ بكثيرٍ من إزالتها من الناحية المادية، لكن بالوقت ذاته هناك مبالغة كبيرة قي تحميلِ الحرب والانقسام المجتمعي كلَّ هذهِ الكوارث، لأن الدوافع الإجرامية التي تجعل الشخص مجرماً يقتل ويغتصب ويقطِّع الجثث ليسَت نتاج الحربِ فقط، هي أولاً نتيجة لخللٍ نفسي يعيشهُ، تحديداً أن مجتمعنا عرفَ الكثير من هذهِ الجرائم قبلَ هذهِ الحرب اللعينة في الفترة التي سبقت لعنةَ مواقع التواصل الاجتماعي فكانت تمر دونَ أن تصبح قضيةَ رأي عام، كما أنها كجرائم تنتشر بكثرة في دولٍ تُعرف على المستوى الداخلي بالهدوء والطمأنينة!
بالأمس استيقظت الولايات المتحدة على خبرِ قيام المراهق «سلفادرو راموس» بفتحِ النار في مدرسةٍ في تكساس فقتلَ وجرحَ العشرات معظمهم من الأطفال، نحمد اللـه بأن أحداً لم يسمع القاتل ينادي «الله وأكبر» حتى لا تبدأ طغمة العلمانيين الجدد بصبِّ نار حقدهم على الإسلام، تُرى هل كان هذا المراهق يلعب لعبةَ الحرب فتأثر سلوكه؟
هذه الجريمة أعادت للأذهان الجريمة التي ارتكبها «آدم لانزا» في العام 2012 في «نيوتاون» والتي راح ضحيتها ثلاثونَ شخصاً أغلبيتهم من الأطفال، اللافت بشخصية القاتل يومها أنه كان انطوائياً وخجولاً لدرجةِ أنه لم يمتلك حتى حساباً على مواقعِ التواصل الاجتماعي ليتأثر بهِ سلباً أو إيجاباً، جرائم كهذهِ أدمت الولايات المتحدة وغيرها، وبالتالي علينا عدم فقدان الثقة مع كل حدثٍ يضرب مجتمعنا والنظرَ إليه وكأنه نهاية العالم، ما زالَ لدينا الكثير لنبني عليه عندما تضع الحرب أوزارها، لكن وبموضوعية فإن أخطر ما قد تزرعهُ فينا الحرب ليسَ الخوف على المجمتع بقدرِ ما هو الخوف من تفشي ثقافة التشفي بالضحايا، لا أعتقد بأن عائلات هؤلاءِ الضحايا بمعظمهم يعرفون عن الشرق الأوسط إلا كما أعرف أنا عن اللغة اليابانية، لكن مع كل حدثٍ موازٍ نرى أننا بطريقةٍ غير مباشرة نشمت بالحدث، هناك من يتبنى هكذا أفكار من منطلق أن أطفالنا وشهداءنا سقطوا بدعمٍ أميركي فهل هذا مسوِّغ لنتشفى من أبرياء؟ نعم من حقِّك ألا تتعاطف لكن حكماً ليسَ من حقك أن ترى فيما جرى انتصاراً إلهياً على أميركا، وتذكر بأن الانتصارات الإلهية لا تأتي بالدعاء مالم تكن مقرونة بالعمل، أما مللتم عقوداً من الانتصارات الإلهية وبالنهاية أينَ أصبحنا؟!
في الخلاصة: ميّز أحد علماء النفس الفرق بين الغيرة والشماتة بأن الأولى فعل طبيعي لكن الثانية فعل شيطاني، كنت ولم أزل أثق بأن مجتمعنا هو مجتمع صادق وطيب لكنهُ حُكماً لا يعرف الشماتة لأنه ببساطة أبعد ما يكون عن الأفعال الشيطانية.