غنى وثراء نادران يضفيان على الإرث اللغوي جمالاً آسراً … «أسرار الجمال في نظام الجملة العربية والخط العربي»
| مايا سلامي- تصوير مصطفى سالم
عقد مجمع اللغة العربية في دمشق ندوة بعنوان « أسرار الجمال في نظام الجملة العربية والخط العربي»، بمشاركة الدكتور سام عمار والأستاذ أحمد المفتي، وهدفت المحاضرة إلى تسليط الضوء وبالدليل القاطع على أهم خصائص وسمات الجمال في اللغة العربية وما تحمله بين طياتها من عجائب وأسرار فريدة جعلاها تتفوق بجدارة على كل لغات العالم، والتركيز أيضاً على جمالية الخط العربي والحرف العربي وكيفية تشكله تاريخياً وما يتمتع به من خاصيات فنية جعلته يبدو كلوحة خطية مزخرفة.
سمات الجمال
سمات الجمال في نظام اللغة العربية تناولها الدكتور سام عمار في محاضرته، وقال فيها: «إن هذه المحاضرة تجهد في أن تقدم أجمل سمات اللغة العربية، وهي دليل قاطع على أنها عبقرية متفردة ممتعة، وهذه السمات سبعٌ وهي: الاختزال وظواهره الخمسة، سمة المرونة الكبيرة التي يوفرها نظام اللغة العربية في استعمال الضمائر المتصلة بنواة الكلمة، سمة جمالية الخط العربي، سمة هاء السكت، سمة الواو الوصلية وسمة نون الوقاية، والسمة الأجل والأكثر إبداعاً وإدهاشاً هي قدرة اللغة العربية على ربط عدد كبير من السوابق واللواحق بنواة الكلمة المكتوبة».
وأوضح أن نظام الكتابة العربية هو نظام علامات خطية ترسم بموجبه الأشكال المرئية للأصوات المنطوقة في هيئة حروف تتآلف في صيغة كلمات تجسد المعاني الماثلة في الذهن طبقاً لنظام اللغة العربية في التعبير وفي صورة أكثر تقليداً يمكننا أن نوحد بين معنيي الكتابة العربية والإملاء بالمعنى الواسع.
وأكد أن الحرف لا يعني ما يقابل الصمت في اللغة وأنه ذو معنى يؤدي وظيفة في الجملة ويعتبر القسم الثالث من أقسام الكلام كحرف الجر مثلاً، وأن الكلام في العرف اللغوي يعني النص الذي يؤدي معنى متكاملاً مهما صغر حجمه، منوهاً بأصغر وحدة نصية هي الجملة المكونة من مسند ومسند إليه اسمية كانت أم فعلية.
الكلمة العربية
وبين الدكتور سام أن هذه الكلمة العربية في بنيتها الصغرى والكبرى تستخدم في الخطابين المكتوب والشفوي، وأن الكلمة المكتوبة طبقاً لنظام الكتابة العربية يمكن أن ينطبق عليها التعريف السابق بأنها تشكل في حدها الأدنى أصغر وحدة لغوية حاملة لمعنى في بعض المكونات وهي الفعلان الآتيان يجب ويتفق، والاسمان ضبط وكتابة، والحرفان أن وعلى.
وأضاف إن الكلمة المكتوبة هي العنوان الأساس في نظام اللغة العربية وهي وحدة معنوية خطية يحدها من الجانبين فراغ أي مسافة بيضاء لا كتابة فيها ولن يحسب فيها الحرف المضعف سوى حرف واحد ويعبر عن هذه الظاهرة بالشدة التي تأخذ مكانها فوق الحرف فتضفي عليه مسحة جمالية ولا تأخذ حيزاً على السطر.
ولفت إلى أن بنية الكلمة العربية قد تصل في أقصى حدودها الممكنة للتكوين إلى اثنتي عشرة وحدة لغوية صغرى حاملة لمعنى، وهذه الخاصية الفريدة للغة العربية في تكوين الكلمة يفترض أن تكون وحدها كافية لوصفها بالعبقرية والعملاقة.
الاختزال
وكشف أن الاختزال هو مايعتلي البنية الصغرى من كلمة مكتوبة أو الكبرى من حرف سببته علّة صرفية أو نحوية أو ضرورة شعرية، وأن سمة الاختزال الجمالية هذه تكمن في أنها تقلل من حجم النص المترجم إلى اللغة العربية فتجعله أصغر من النص الأجنبي الذي ترجم عنه.
وأشار إلى أن ظواهر الاختزال خمسة أولها الضمير المستتر والضمير المقدر، وثانيها ظاهرة اشتمال النظام اللغوي على عدد كبير من الوحدات اللغوية الصغرى الحاملة للمعنى التي تقوم بنيتها الكتابية على حرف واحد، الظاهرة الثالثة هي الحذف وهي إسقاط حرف أو أكثر من بنية الكلمة المكتوبة، الظاهرة الرابعة هي الإدغام الذي يكون للمتماثلين في البنية الصغرى أو للمتقاربين فيها، أما الظاهرة الخامسة فهي الفعل المبني للمجهول.
أدهشُ سمةٍ
وفي تصريح له بين الدكتور سام عمار أن: « هذه المحاضرة تتناول أسرار الجمال في نظام الكتابة العربية وأن أدهش سمة في اللغة العربية أنها تجمع بين عدد كبير من السوابق واللواحق التي تلتحم بنواة الكلمة في أضخم حجم لها، وتبدو الكلمة العربية حين تكون نواتها اسمية سبعة عشر حرفاً وإذا كانت نواتها فعلية تبدو في تسعة عشر حرفاً».
وقال: «إن أطول كلمة في اللغة العربية يمكن أن ينتجها عقل بشري وأنا مسؤول عما أقول هي (أفسيستسقنانكموهما) هذه الكلمة التي نواتها الفعل يستسقي وما سبقها من سوابق ثلاثة وما تلاها من لواحق هي جملة كاملة فيها فعل وفاعل ومفعولان بهما، وأن هذه الكلمة في اللغة العربية تشكل نصاً متكاملاً وهي تعني أفستطلب إليكم هؤلاء النسوة أن تسقوهن هاتين الكأسين».
الخط العربي
وبدوره تحدث الأستاذ أحمد المفتي في محاضرته عن جمالية الخط العربي، وقال: « حروفنا العربية هي من القيم الجمالية التي لا يمكن للإنسان إلا أن يقف أمامها مسحوراً وهي تشكلت من جمالية العربي الذي نظر إلى القمر حينما كان بدراً والذي يمثل الدائرة التي تعني النقطة والتي يتشكل منها الحرف العربي». وأضاف: «حينما أنظر إلى الحرف العربي من خلال تكوينه أجد أن الألف هي الأساس في الخط العربي وأجد هذا الحرف الذي يقف ضمن الدائرة والذي يدل على جسم الإنسان، فلو نظرت أنت إلى يدك اليمين ستجد أربعة عشر مفصلاً وفي يدك اليسار أيضاً ستجد أربعة عشر مفصلاً فتشكل بمجموعها 28 مفصلاً وهي عدد حروف اللغة العربية».
وتابع: «وعندما تنظر إلى خرزات العمود الفقري في الإنسان فستجد أربع عشرة خرزة في الأعلى وأربعة عشرة خرزة في الأسفل، وحينما ينظر أيضاً إلى منازل القمر فيلاحظ أن منازل القمر قد تشكلت من خلال أربع عشرة منزلة في الأعلى وأربع عشرة منزلة في الأسفل».
وأشار إلى أن: «هناك قضية مهمة بقيت أكثر من عشرين سنة وأنا أتتبعها وهي لماذا تكتب في كل الخطوط الألف طويلة ثم اللام أصغر واللام التي تأتي بعدها أصغر ثم تأتي التاء المربوطة أصغر أي في شكل هرمي بكل أنواع الخطوط حتى الكتابات الأولى التي كتب بها القرآن الكريم بالخط الذي يدعى الخط الكوفي».
ونوه بأنه عند النظر إلى لفظ الجلالة في بعض الأحيان تتوسط الألف بين اللام واللام وعندما تصل بينهما يتشكل مثلث وهو في الحضارات أو الكتابات القديمة يدل على الإله الموجود في الأعلى، مؤكداً أن هذه القضية تنم عن نظرية ( الجيومتريك) النسبة والتناسب التي اعتمد عليها الفن الإسلامي والخط العربي». وأشار إلى أن الحروف الطباعية التي بدأت سنة 1822 أفسدت جمالية الحروف العربية الأصيلة وأبرزها حرف التعليق الذي كتبت به دار الكتب العربية وكتبت به أيضاً مطبعة براق، فنجد أن هذا الحرف الجميل المطبوع قد غاب عن الكمبيوتر والأجهزة الحديثة، موضحاً شكل هذا الحرف الذي يوازي فيه حرف النون حرف الحاء ويقع في بطنه حرف الميم وهنا تكمن جمالية هذا الحرف الذي لا تعرفه إلا من خلال النظر المستمر.
جمالية الحرف العربي
وفي تصريح له بيّن الأستاذ أحمد المفتي أنه: « سأتناول في هذه الندوة الحديث عن جمالية الحرف العربي وكيفية تشكله تاريخياً، فلا شك أن الحرف العربي وجد خلال فترة طويلة من الزمن أي منذ اكتشاف الأبجدية العربية في أوغاريت والتي تضمنت 28 حرفاً أي بعدد حروف اللغة العربية».
وأضاف: « ما أريد التحدث عنه هو القيمة الجمالية وخاصة من خلال نظرية مهمة جداً وهي نظرية الجيومتريك التي تتضمن قضية النسبة والتناسب».
وأكد أنه نحن العرب أخذنا حرفنا العربي من القمر حينما كان بدراً، وأن الحروف العربية تشكلت من خلال البدر، فإذا كان حرف الألف هو امتداد الدائرة فلا بد أن يكون حرف الباء هو أيضاً عبارة عن خط أفقي أو شاقولي خلال هذا البدر، وأن هذه الحروف أيضاً قد خلقها الله سبحانه وتعالى من خلال تكوين الإنسان.