بخطا ثابتة، تسير السياسة الأميركية في العالم من فشل إلى فشل، إذ لا بد أن يكون هذا مصيرها وهي التي تعمل بعنجهية القوة فتخرق القوانين الدولية وتتعامل بازدواجية المعايير، تصدر العقوبات الاقتصادية أحادية الجانب، تختلق النزاعات والحروب، تنمي الإرهاب وترعاه، تسرق خيرات الشعوب.
باختصار، هي سياسة استغلال الأزمات الدولية التي اعتادت عليها، فصعود الولايات المتحدة الأميركية إلى قمة النظام الدولي، جاء على خلفية استغلالها للحرب العالمية الثانية، إذ دخلتها متأخرة بعدما أنهكت الحرب الدول المتصارعة، فكانت القوة والغلبة لها، وذلك بعد أن استغلت سنوات الحرب الأولى في بيع منتجاتها للدول المتحاربة.
اليوم يعود الصراع الدولي بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا الاتحادية بعد أكثر من ثلاثين عاماً على انتهاء الحرب الباردة، صراع يبدو أن واشنطن خسرت الجولة الأولى منه، فالمخطط الروسي في أوكرانيا يسير وفق المرسوم له، وسلاح العقوبات الاقتصادية على موسكو لم يجد نفعاً، فهزم أمام ترسانتها من الطاقة، وبدأت عملية التراجع التدريجية عن العقوبات، وكان أولها قطاع الأسمدة والأغذية والبذور والأدوية والمعدات الطبية، كما رفعت العقوبات المفروضة على شركة غاز بروم ألمانيا، إحدى أفرع شركة غاز بروم روسيا، وسط تلميحات أوروبية برفع عقوبات محتملة عن بعض الشخصيات الروسية، قد يكون وزيرا الخارجية والدفاع على رأس القائمة، فبروكسل باتت بحاجة إلى المفاوضات المباشرة مع موسكو.
الخاسر الأكبر كانت أوروبا، اليورو ينخفض تحت مستوى دولار واحد، والركود الاقتصادي قادم، وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال جوهري، ماذا لو سمحت دمشق بمرور خط الغاز القطري؟ كيف كان حال الصراع الروسي الغربي اليوم؟ يمكن القول إن دمشق، كانت بشكل غير مباشر، الثقل المرجح لكفة الميزان الروسية في مواجهة الغرب.
بعدما خسرت واشنطن جولتها الأولى في أوروبا، انتقلت لتشعل المواجهة مع موسكو وبكين وطهران في الشرق الأوسط، فحط الرئيس الأميركي جو بايدن فيها، في محاولة لاستعادة الدور الأميركي في المنطقة، بدءا من القضية الفلسطينية، وصولاً إلى «ناتو» شرق أوسطي، الذي سبق لواشنطن أن دفعت الأردن للإعلان عنه، على أن يكون من الدول الحليفة لها في المنطقة أو السائرة في فلكها وتوجيهاتها، لكن المفاجئ أن ردود بعض تلك الدول بدأت تظهر وبايدن موجود في المنطقة، لترسم معالم الفشل الواضحة على الزيارة، فرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي أعلن أمس أن العراق لن يشارك في أي تحالف عسكري، وسبقه بيوم إعلان إماراتي مشابه، نص على أن أبو ظبي ليست منفتحة على إنشاء محور ضد أي دولة في المنطقة وخاصة إيران، وهذا مؤشر على أن بعض دول المنطقة استفادت من الدرس الأوروبي في المواجهة مع موسكو.
إذاً، لولا قرار السعودية بفتح أجوائها أمام حركة النقل الجوي الإسرائيلي، لعاد بايدن إلى البيت الأبيض بخفي حنين، وهو ما يحيل إلى إمكانية التأويل، بأن المملكة أيضاً رافضة للحلف وأبلغت بايدن بذلك، لكنها لم تظهر رفضها إلى العلن، على غرار أبو ظبي وبغداد، فكانت حركة فتح الأجواء غسيل ماء وجه للرئيس الأميركي، ولعل الصدمات التي ستتلقاها واشنطن من الخليج العربي ستزداد وتيرة وقوة كلما اقترب ولي العهد محمد بن سلمان من كرسي الملك.
لن ينتهي الفشل الأميركي هنا، بل إن نجاح الخصوم في المنطقة، أي موسكو وبكين، هو فشل بطعم آخر للسياسة الأميركية الساعية لتقليص نفوذهما في المنطقة والعالم، وهو ما ننتظر اتضاح معالمه مع مشروع الصين المالي بإقامة بنك جديد للتعاملات المالية الدولية، وتشير التقارير الإعلامية إلى موافقة ما يزيد على 70 دولة بالانضمام إليه، هذا من جانب الصين، أما من الجانب الروسي فالمنطقة بانتظار زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى إيران، وما سيتلو ذلك من عقد قمة روسية إيرانية تركية خاصة بالشأن السوري، تأتي بعد زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى دمشق حاملاً وساطة من تركيا.