لسنا من أصحاب الرؤى السوداوية أو المتشائمة، وإن كان هناك ما يبرر لنا ذلك، وخاصة بعد أكثر من عشر سنوات عجاف شهدتها سورية، وإرهاب أكل البشر والحجر، وحصار اقتصادي عالمي جائر، ذهب بما تبقى من أي أمل في النفوس بعودة الحياة إلى طبيعيتها، ورغم ذلك كله، فإن مجريات الأحداث العالمية، ومتغيراتها المتسارعة، تؤكد أن العالم بات على مفترق طرق، فإما الذهاب إلى حرب لَا تُبْقي وَلَا تَذَرُ، وإما الجلوس إلى طاولة حوار تعيد الأمور إلى نصابها، وتعيد رسم الخطوط بشكل أوضح عما كانت قبل سنوات، وخاصة أن الجميع بات يرقص في سياساته على حافة الهاوية، دون أن يدري أي أحد متى تنزلق قدمه في المحظور، وتنقطع تلك «الشعرة» التي تفصل ميادين الحرب عن أروقة السياسة.
حتى قبيل الأزمة في أوكرانيا، كان البعض، أو الأغلبية، في هذه المعمورة خارج دائرة الخطر، وخاصة أوروبا، سواء الخطر العسكري أو خطر الأزمات الاقتصادية، فكانت تلعب دوراً «قذراً»، في تأجيج الوضع في أوكرانيا، وتأليب نظام كييف على روسيا، بهدف إضعاف الأخيرة، وبسط السيطرة عبر تمدد «الناتو» ليصبح على تخوم أسوار موسكو، أو على مشارف حدائق الكرملين إن تمكن من ذلك، فكان «الأوروبي» حتى الأمس القريب، يظن أنه بمنأى عن أي خطر، أو أزمة نتاج ما يدور في أوكرانيا، وأن شرار الحريق في الأراضي الأوكرانية لن يتطاير ليطول أراضيه، حتى تحوّل حصاره وعقوباته الاقتصادية ضد موسكو، لحبل التفّ حول عنق القارة العجوز، ومسمار أخير دق في نعوش سياسية للعديد من قادة أوروبا.
وإن كانت سبباً مباشراً، فان الخلافات العسكرية، والسباق نحو التسلح، واحتلال أراضي الغير، ليس هو من يشعل شرارة الحروب بين الدول الكبرى، أو يقود العالم إلى حرب عالمية، وإنما الاقتصاد هو وحده من يفعل ذلك، فهو يبدأ الحرب وينهيها، وما خططت له الولايات المتحدة الأميركية في أوكرانيا، خير مثال.
ورغم بعد واشنطن عن التداعيات الاقتصادية لما يجري في أوكرانيا، وخاصة من جهة النقص في موارد الطاقة وتأثر أوروبا بذلك بشكل كبير ومباشر حتى أثمر بسقوط حكومات واندلاع تظاهرات هنا وهناك، إلا أن اللافت موقف زعماء الاتحاد الأوروبي من روسيا، وانجرارهم خلف السياسة الأميركية، وكأنها تمثل مصالحهم، وهموم وهواجس شعوبهم، بينما الحقيقة عكس ذلك، والحقيقة أن الولايات المتحدة الأميركية، تسعى جاهدة إلى عزل أوروبا، وإخضاعها كلياً للقرار الأميركي، وإبعادها عن روسيا والصين، وهذا ما أكدته مجلة «فورين بوليسي» الأميركية، حين رأت أن الإستراتيجية الجديدة التي أصدرها البيت الأبيض مؤخراً بشأن الأمن القومي، قد تؤدي إلى عالم أكثر فوضى، مشيرة إلى أن الوثيقة التي طال انتظارها تترك أسئلة أكثر من الإجابات، عن نهج واشنطن في الأزمات العالمية، وقد حددت «الإستراتيجية» الصين كمنافس وحيد لواشنطن، في إعادة تشكيل النظام العالمي، ووصفت روسيا بأنها شديدة الخطورة.
تأكيد روسيا أن النظام في أوكرانيا يحضر لاستخدام «القنبلة القذرة»، وإلصاق التهمة بموسكو لاحقاً، بشكل أو آخر، يثير مخاوف الكثيرين من اندلاع حرب نووية، وينشط ذاكرتهم حول ترويج تقديرات وتحليلات، خلال السنوات الماضية، لفكرة مؤداها أن العالم بأكمله بات على وشك الدخول في معركة «الهرمجدون» الحاسمة، حيث يرمز مصطلح «هرمجدون»، بحسب الإنجيل المقدس، إلى تدمير كوكب الأرض بالنار، قبل قيام الساعة، بحرب نووية فاصلة، وليزداد ذاك التخوف من عودة البعض بالذاكرة إلى إفصاح الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش للرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك عام 2003، بأنه قرر غزو العراق من أجل محاربة «يأجوج ومأجوج» هناك، تحضيراً لمعركة «هرمجدون» الحاسمة!
رغم كثرة المؤشرات التي تدلل على بلوغ الصراع العالمي الذروة، إلا أن الدفع نحو حرب نووية، لا يزال أمراً مستبعداً في قراءة وتقديرات الأغلبية العظمى من المتابعين، وأصحاب الشأن، وأن من المستبعد إقدام روسيا على مثل هذا الأمر، لتبقى النفوس متوجسة من موقف وأفعال الإدارة الأميركية، التي ترى أن حدوث شيء من هذا القبيل يجعلها الرابح الأكبر، والأكثر بعداً عن تداعياته الكارثية، ليبقى السؤال الأبرز، هل يحتكم العالم للعقل، أم يذهب إلى «هرمجدون»؟!