لا أحد يشك في أن بنيامين نتنياهو سيشكل حكومة إسرائيلية جديدة بدلاً من يائير لابيد وستكون الحكومة السادسة له بعد أن ترأس منذ عام 2009 حتى شهر أيار 2020 خمس حكومات سابقة، أولها كانت في نهاية القرن الماضي، لكننا إذا عدنا للبرامج السياسية التي وضعها لحكوماته الخمس وأولها حكومته في عام 1996 وجداول عملها، سنجد أنه وعد حلفاءه في تلك الحكومة الائتلافية بالبدء بتهويد الأماكن الإسلامية في القدس وبتغيير البنية العمرانية التاريخية للمسجد الأقصى حين أمر بحفر أنفاق من تحت بنائه بحجج تتعلق بالآثار القديمة فقامت أول انتفاضة باسم حماية الأقصى عام 1997 وأحبطت خلال أيام خطته بعد استشهاد 63 من الفلسطينيين وإصابة 1600 بجراح، وفي أعقاب سقوط حكومته عام 1999 عاد وترأس الحكومة الثانية له في عام 2009 وحدد في برنامجه الذي أقرته الكنيست نزع أسلحة وصواريخ قطاع غزة الذي حرر عام 2005 ومنع إيران من تطوير قدراتها العسكرية ومن متابعة أي برنامج نووي مدني أو غير مدني، وهدد بشن حرب مباشرة على إيران، ثم وعد بتفتيت سورية، وتقسيمها في عام 2011 حين استغل بداية الحرب الكونية على سورية في آذار من العام نفسه.
طوال سنوات الحرب على سورية ومشاركة الجيش الإسرائيلي واستخباراته العسكرية على حدود الجولان، لم يتمكن نتنياهو من تحقيق أي هدف وضعه ضد سورية رغم أنه قدم دعماً كبيراً لكل المجموعات الإرهابية ضد الجيش السوري، وحول مهمته على جبهة غزة، قام في شهر تشرين الثاني عام 2012 بشن عملية عسكرية واسعة ومكثفة ضد القطاع أطلق عليها اسم «عامود السحاب» استمرت ثمانية أيام حاول خلالها بواسطة القصف المكثف من سلاح الجو والمدفعية والتوغل العسكري البري تدمير أسلحة القطاع وبنيته التحتية الصاروخية، ولم يتمكن من تحقيق هدفة حتى بعد استخدام ما يزيد على 550 طناً من المتفجرات واستشهاد وجرح المئات من المدنيين والنساء والأطفال، إلى أن انكفأت قواته من دون أن تحقق ما تهدف اليه، ثم عاد في تموز 2014 وشن معركة مكثفة أخرى باسم «الجرف الصامد» وقتل خلالها مئتين من الفلسطينيين، 77 بالمئة منهم من المدنيين والأطفال، وأصاب الآلاف بجراح بموجب تقرير منظمة «أمنستي» ودمر ما يزيد على 1300 منزل، وتصدت له فصائل المقاومة وعاد مدحوراً بعد سبعة أيام من العمليات العسكرية المكثفة جواً وبحراً وبراً.
ثم عاد خلال سنوات أخرى لاستخدام عمليات الاستنزاف لفصائل المقاومة من دون جدوى إلى أن فاجأته المقاومة في عام 2018 بمسيرات العودة واختراق الجدار الفاصل وإطلاق الأطفال لطائرات ورقية باتجاه الوحدات السكنية للمستوطنات الملاصقة بحدود القطاع، إلى أن توقف عن عملياته الاستنزافية.
على الجبهة الإيرانية، أحصت له الصحافة الإسرائيلية والغربية مئات التصريحات التي تعهد فيها خلال سنوات حكمه الممتدة من عام 2009 حتى عام 2021 بتوجيه ضربة حربية مباشرة على إيران لمنعها من تطوير قدراتها العسكرية حتى لو قام بهذه المهمة وحده دون مشاركة الولايات المتحدة! ومع ذلك ها هي إيران تزداد قوة بقدراتها الحربية الصاروخية ومسيراتها المتطورة وتحقق ردعاً متزايداً سنة تلو أخرى على إسرائيل والولايات المتحدة معاً.
السؤال الذي يستمد من هذه الحقائق: ما الذي سيفعله نتنياهو بعد كل ما قام به في تلك السنوات وفي خمس حكومات كان فيها صاحب القرار لمواجهة سورية وفلسطين وإيران والمقاومة اللبنانية، أي قوة أطراف محور المقاومة وجبهاتها الأربع التي تتصدى لمخططات الكيان الإسرائيلي في ظروف ضعف فيها النفوذ الأميركي وانشغل بما يشبه حرباً على حافة المواجهة النووية مع روسيا والصين، وأصبحت إسرائيل الحلقة القابلة للكسر أكثر من أي وقت مضى مهما كانت نتائج الوضع العالمي بين القوى العظمى، بل ماذا يحمل نتنياهو من أوراق وسياسات قادرة على تحقيق أهدافه في السنوات المقبلة لحكومته السادسة، وهو الذي هزم خمس مرات أمام قوى وأطراف محور المقاومة، وهو الذي يجد أمامه وضعاً داخلياً مزقته الانقسامات وتزايد الهجرة العكسية للمستوطنين الذين بدؤوا يفضلون بسبب مستقبل إسرائيل المظلم وفقدان الأمن، العودة إلى أوطانهم التي جيء بهم منها، وهو الذي يجد أن القوة البشرية لجيش الاحتلال بدأت تتناقص بعد الانخفاض الحاد لهجرة اليهود إلى كيان تتعرض حياة اليهودي فيه لخطر يومي ودائم، بل إن إحصاءات وزارة الهجرة الإسرائيلية تشير إلى شبه توقف للهجرة خلال السنوات الماضية.