عادت بنا صور وفيديوهات ما حصل أمام مبنى محافظة السويداء أول من أمس إلى أولى الصور التي كنا نشاهدها عام ٢٠١١، والآتية إلينا من محافظة درعا، بداية الحرب على سورية، هذه الحرب التي لا تزال مستمرة إلى اليوم بأشكال وأساليب مختلفة.
اللافت في ما حصل بالسويداء هو ذاك الرفض الشعبي المطلق لحالة الفوضى التي أراد مجموعة من الشبان إحداثها والاستمرار فيها، بحجة تردي الأوضاع المعيشية وصعوبات الحياة اليومية وكأنهم وحدهم من يتعرض لتلك الصعوبات من دون سواهم من سوريين.
الرفض الشعبي جاء على صيغة استنفار على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ بادر كل مواطن للتعبير عن رأيه الرافض لحالة الفوضى، والرافض أيضاً للعودة إلى المربع الأول الذي أوصل سورية إلى ما وصلت إليه اليوم من إجرام وإرهاب وحصار.
الكل يعاني والكل مقهور وجميعنا نبحث عن حلول ونتشارك الأفكار لعلنا نحسّن -ولو قليلاً- من هذا الواقع الذي لا يمكن أن يتغير ما لم تتغير سياسات الغرب تجاه سورية والسوريين عموماً، لكن في المقابل كان واضحاً من خلال ما حصل في السويداء أننا جميعاً وبصوت واحد عبرنا عن رفضنا لما حصل وما رافقه من تحريض خارجي وداخلي، فأي فوضى جديدة لا بد أن تكون نتائجها كارثية، فنغرق أكثر في أزماتنا المتتالية ونخسر المزيد من شبابنا وأهلنا، وهو أمر مرفوض، ولن يسمح به السوريون الذين لا تزال ذاكرتهم حية جداً، ويدركون مخاطر هذه «التحركات» غير البريئة ونتائجها، فكانوا يوم الأول من أمس وأمس متحدين جميعهم حول فكرة إدانة ما حصل، لا بل المطالبة بمحاسبة كل مخرب وكل من حرق ودمر، وهو الموقف ذاته لأغلبية سكان السويداء الذين هم أيضاً لا يودون لمدينتهم ومحافظتهم أي أعمال تخريب أو خسائر بالأرواح لكونهم سبق وذاقوا طعم الإرهاب الذي وصل حدود محافظتهم فقاتلوه بكل شجاعة، وكم كان يتمنى أهالي السويداء لو كانت مرجعياتهم ومشايخهم وشيوخ العقل أكثر صرامة وحضوراً للجم وإدانة هذه الأفعال التي لا تمت لأهالي السويداء الكرام باستثناء هؤلاء الذين لم يتجاوز عددهم المئتي شاب ممن عاثوا خراباً ودماراً في مبنى حكومي رسمي يتبع لمحافظتهم واغتالوا شرطياً كان يمارس عمله بالدفاع عن مؤسسة رسمية سورية.
نعم هناك صعوبات وهناك معاناة وهناك فساد وسوء إدارة في بعض المفاصل وتصريحات عشوائية وكذب، لكن هل الحل لكل هذه المشاكل يكون بالفوضى؟؟ السوريون قالوا جميعهم لا، وهم على حق لكون الفوضى لن تخلق سوى مزيد من الآلام ومزيد من المعاناة ولا يمكن أن تكون الحل أو البديل أمام القانون الذي تمكن جيشنا البطل من إعادة بسطه في كل المناطق المحررة من الإرهاب، وتسهر اليوم على تطبيقه كل الأجهزة الأمنية منعاً لأي عودة إلى الوراء..
لا يوجد سوري لا يريد الأفضل له ولأبنائه، ولا يوجد سوري لا يريد أن يرى الفاسدين خلف القضبان، ولا يوجد سوري لا يريد لسورية أن تكون أجمل الأوطان، لكن ليس من خلال سياق التخريب والقتل وشتم الرموز الوطنية وإزالة العلم السوري وحرق المباني والمستندات والهجوم على المقرات الحكومية، فهذا السيناريو وهذه الصور سبق أن شاهدناها ونعرف جيداً إلى أين أوصلتنا في الوقت الذي كنا ننعم فيه بثرواتنا النفطية والزراعية وكان النمو في سورية يسير في تصاعد مستمر، وكانت صناعتنا تنافس كبرى الصناعات الأوروبية.
ربما لا يمكن وصف ما حصل بالسويداء على أنه «رب ضارة نافعة»، وخاصة بعد استشهاد الشرطي محمود السلماوي رحمه الله، لكن الأكيد أن ما حصل أعاد لنا ذاك التضامن والحرص على عدم الوقوع في فخ جديد، وأعاد لنا غيرتنا على المؤسسات الوطنية وعلى رموز الوطن والتي كانت ولا تزال وستبقى خطّاً أحمر لن يسمح السوريون لأحد بتجاوزه.