البنك الدولي: صدمة خفيفة قد تهوي بالاقتصاد العالمي إلى الركود … 2022 عام عدم اليقين.. كيف تأثر الاقتصاد السوري بالأزمات العالمية؟! … خضور لـ«الوطن»: السوق السورية محتكرة من مجموعة من الجشعين وهو سبب ارتفاع الأسعار المرعب
| محمد راكان مصطفى
وصف البنك الدولي في استعراضه للعام 2022 بأنه عام عدم اليقين، مشيراً إلى أن الأزمات التي تلاقت في عام 2022 لا تزال تعوق النمو العالمي وأن الاقتصاد العالمي يشهد الآن أشد معدلات التباطؤ في أعقاب تعافي ما بعد الركود منذ عام 1970، وأنه من الملاحظ تراجع ثقة المستهلكين العالميين بالفعل بسبب التراجع الأكثر حدة مما كان عليه في الفترة السابقة للركود الاقتصادي العالمي.
وأشار البنك الدولي إلى أن أكبر 3 اقتصادات في العالم – وهي الولايات المتحدة والصين ومنطقة اليورو- تشهد تباطؤاً حاداً للنمو.وفي ظل هذه الظروف، فإن مجرد وقوع صدمة خفيفة للاقتصاد العالمي خلال العام القادم قد تهوي به إلى الركود.
أستاذ الاقتصاد في جامعة دمشق الدكتور رسلان خضور رأى أن تباطؤ معدلات النمو خلال 2022 يأتي ضمن السياق الطبيعي للأحداث العالمية بعد أزمة كورونا التي تسببت بتجميد الاقتصاد العالمي، ما أدى إلى تجميد السفر والتنقل وارتفاع تكاليف الشحن وأسعار التأمين…، لتأتي بعد ذلك الحرب الروسية الأوكرانية والتي هي في الحقيقة حرب أقطاب عالمية لتستنزف دول العالم اقتصادياً خاصة أوروبا وروسيا.
وتابع الدكتور خضور قائلاً: لذلك من الطبيعي أن ينخفض نمو الاقتصاد العالمي وإن لم تكن الأسباب كلها اقتصادية إذ يمكن إعادة البعض منها لأسباب جيوسياسية.
ومحلياً رأى خضور أنه من الطبيعي أن تتأثر سورية بما يحصل، حيث تراجعت معدلات النمو في الناتج، لذات الظروف العالمية إضافة إلى ظروف الحرب والحصار الاقتصادي، موضحاً عدم وجود دراسات ونتائج واضحة لمعدلات النمو خلال العام 2022، متوقعاً أن ينجز المكتب المركزي للإحصاء التقرير الخاص بذلك مع نهاية العام الجاري.
زيادة تضخم أسعار الغذاء وانعدام الأمن الغذائي
بين تقرير البنك المركزي أن عام 2022 شهد ارتفاعاً حاداً في انعدام الأمن الغذائي في جميع أنحاء العالم.وقد تجمعت آثار الحرب في أوكرانيا، وارتفاع معدلات التضخم، وتعطل سلاسل الإمداد، وتراجع النشاط الاقتصادي العالمي، لتدفع إلى زيادات كبيرة في أسعار العديد من المنتجات الزراعية والمستلزمات الزراعية، مثل الأسمدة.واستجابة لهذا الوضع، أتاحت مجموعة البنك الدولي 30 مليار دولار للتصدي لانعدام الأمن الغذائي على مدى 15 شهراً.
وأشار إلى مواصلة مجموعة البنك الدولي العمل مع الشركاء لإنشاء أنظمة غذاء يمكنها توفير المواد الغذائية للجميع في كل مكان وفي كل يوم بتحسين الأمن الغذائي، وتشجيع «الزراعة التي تراعي اعتبارات التغذية»، والارتقاء بمستوى سلامة الغذاء.وكانت هناك ارتباطات جديدة بقيمة 9.6 مليارات دولار من البنك الدولي للإنشاء والتعمير/المؤسسة الدولية للتنمية لقطاع الزراعة والقطاعات المرتبطة بها.وعلاوة على ذلك، أطلق التحالف العالمي للأمن الغذائي، الذي شاركت فيه مجموعة السبع، لوحة البيانات العالمية لأمن الغذاء والتغذية في تشرين الثاني كأداة رئيسية لتسريع وتيرة الاستجابة لأزمة الأمن الغذائي العالمية التي لا تزال تتكشف أبعادها.
ورأى الدكتور خضور أن ارتفاع الأسعار المحلي يأتي بحكم الارتفاع العالمي وذلك بالنسبة للجزء المستورد، ولكن بشكل جزئي، مضيفاً: ولكن ليس هذا السبب فقط خاصة في ظل ارتفاع أسعار بعض المنتجات محلياً إلى مستويات تجاوزت فيها الأسعار في دول الجوار إلى ضعفين وأحياناً ثلاثة أضعاف، ما يعني وجود احتكار مطلق أو احتكار قلة للمواد إلى جانب العوامل الخاصة للبلاد مثل الحصار والنقل وتكاليف التأمين، لكن الارتفاع المرعب يتحمله الاحتكار المحلي.
وضرب مثلاً على ذلك الموز اللبناني والذي سعره في لبنان يعادل أقل من نصف سعره محلياً ما يعني وجود حلقات محتكرة تحقق أرباحاً مضاعفة، واصفاً السوق السورية بأنها سوق محتكرة من قبل مجموعة من الجشعين، وتابع قائلاً: من الطبيعي أن يحصل المستورد على تكاليفه بما فيها التكاليف الإضافية بسبب الحصار والعقوبات إضافة إلى ربح طبيعي.
ورأى الحل لارتفاع الأسعار الجنوني أن تفعل الحكومة آليات الحد من سطوة الاحتكارات عبر تفكيك شبكات الاحتكارات. منوهاً بوجود قوانين تساعدها في ذلك منها قانون المنافسة ومنع الاحتكار، وكما أن على الحكومة أن تشجع وتحفز الإنتاج بجميع أنواعه وخاصة المنتجين الذين ينتجون سلع ضرورية وأساسية.
الطاقة
وبين التقرير أن النصف الأول من عام 2022 شهد واحدة من أكبر الصدمات التي شهدها العالم في أسواق الطاقة العالمية منذ عقود – حيث زادت أسعار الطاقة زيادة كبيرة، مما أدى إلى تفاقم نقص الطاقة والمخاوف المتعلقة بأمن الطاقة، وزيادة التباطؤ في حصول الجميع على مصادر طاقة حديثة ميسورة التكلفة وموثوقة ومستدامة بحلول عام 2030 (الهدف السابع من أهداف التنمية المستدامة).
وعلى الصعيد العالمي، لا يزال هناك 733 مليون شخص لا يحصلون على الكهرباء، وبالأسعار الحالية، سيظل 670 مليون شخص محرومين من الكهرباء في عام 2030 – أي ما يزيد على 10 ملايين شخص عن العدد المتوقع في العام الماضي.وفي منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، تراجع مسار التحسينات التي شهدتها الآونة الأخيرة، حيث ازداد عدد الأشخاص الذين لا يحصلون على الكهرباء إلى 568 مليون نسمة في عام 2020.
وأدت المخاطر التي يتعرض لها السكان الذين لا يحصلون على الكهرباء وعزلتهم إلى دفع البلدان إلى زيادة تركيزها على الحصول على الطاقة بأسعار ميسورة في خططها للتعافي من جائحة كورونا.وفي السنوات الخمس الماضية، زاد البنك الدولي جهوده لتوصيل الكهرباء أو تحسينها لنحو 77 مليون نسمة، حيث ضاعف تمويله السنوي للحصول على الطاقة ليصل إلى أكثر من مليار دولار في 2019-2022.
وعن ارتفاع أسعار الأغذية والطاقة على المستوى العالمي، بين أنه تأثر بعدة عوامل أهمها الإمدادات في ظل تأثير الحرب الروسية الأوكرانية وموقعهما عالمياً، وخاصة بالقمح وهو جزء وازن نسبياً عالمياً، فالتأثير لم يقتصر فقط في مكان العمليات العسكرية وإنما امتد أثرها عالمياً ما أدى إلى ارتفاع الأسعار، عدا عن العقوبات التي فرضت على النفط والغاز الروسي إضافة لعدم تجاوب أوبك لطلب أميركا برفع الإنتاج ما أدى إلى رفع أسعار الطاقة وبالتالي ارتفاع التكاليف والأسعار.
الفقر أجندة متوقفة
وأشارت دراسة البنك إلى أن جائحة كورونا شكلت أكبر انتكاسة لجهود الحد من الفقر في العالم منذ عقود، وكان التعافي متفاوتاً إلى حد كبير وبنهاية عام 2022، يمكن أن يعيش ما يصل إلى 685 مليون شخص في فقر مدقع، ما يجعل عام 2022 ثاني أسوأ عام على مستوى جهود الحد من الفقر في العقدين الماضيين (بعد عام 2020).
وإضافة إلى الآثار التي لا تزال مستمرة لجائحة كورونا، فإن ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة، ولاسيما بسبب الصدمات المناخية والصراعات مثل الحرب في أوكرانيا، أعاق تحقيق التعافي السريع. ومن المتوقع الآن أن 7 بالمئة من سكان العالم – نحو 574 مليون نسمة – سيظلون يعانون الفقر المدقع في عام 2030- وهذه النسبة كبيرة للغاية مقارنة بالهدف العالمي البالغ 3 بالمئة في عام 2030.
وبالنسبة لما جاء عن معدل الفقر في العالم بين الدكتور خضور أن معدلات الفقر العالمية خلال السنوات الأخيرة يقدر بـ700 مليون شخص، منوهاً أن الذي خفض عدد الفقراء على المستوى العالمي خلال العقدين الماضيين هي الصين، واعتبر أن الرقم الوارد في التقرير يأتي وفق السياق العالمي.
وعن ارتفاع معدلات الفقر محلياً رأى الدكتور خضور أنه وفي ظل ظروف الحرب انهارت الطبقة الوسطى التي من الطبيعي أن تشكل أغلبية أي مجتمع، وأصبح حجمها متدنياً، وفي السنوات الأخيرة تحول المجتمع في سورية إلى طبقة إما غنية جداً وإما فقيرة جداً، مضيفاً: أن الأغلبية العظمى من الطبقة الوسطى تحول إلى الطبقة الفقيرة المدقعة الفقر، على حين جزء بسيط منها صعد إلى الطبقة الأكثر غنى ولم يبق من الطبقة الوسطى إلا جزء بسيط جداً يلامسون حد الكفاف، منبهاً إلى خطورة انهيار الطبقة الوسطى الحامل الفكري والمعرفي والعلمي والثقافي والسياسي في أي مجتمع والمحرك الأساسي لتطوره واصفاً انهيارها محلياً بالكارثة على المجتمع وأمن المجتمع بشكل عام.
وعن نسبة الطبقة الغنية من المجتمع السوري بين أنه لا يوجد نسبة محددة وأن الموضوع بحاجة إلى دراسة.
ورأى خضور أن هناك مجموعة من الإجراءات والسياسات على المستوى القصير، وعلى المستويين المتوسط والطويل يمكن أن تسهم في تخفيف حدة التفاوت في التوزيع عبر الإنصاف في إتاحة الفرص بمجموعة إجراءات تتعلق بتحسين سبل العيش للشرائح الهشة والضعيفة اقتصادياً في المجتمع عبر تعزيز الفرص الاقتصادية ومساعدة الناس على خلق فرص العمل المباشرة، والمزيد من الإنصاف والمساواة في الحصول على الخدمات العامة.
وأشار إلى أن الطلب المحلي يقود النمو، إذ إنه من الصعب أن يحافظ الاقتصاد السوري على توازنه إلا إذا كان هناك طلب قادر على استيعاب السلع والخدمات المنتجة وهذا يتطلب بالدرجة الأولى نمو الطلب المحلي وهذا مرهون بالإنصاف في توزيع الثروات والدخول.
واقترح أن يتم على لأمد القصير اعتماد قنوات إعادة التوزيع، من خلال الرواتب والأجور والحدود الدنيا للأجور والتعويضات.
وفي الأمدين المتوسط والطويل، رأى أنه يمكن اعتماد قنوات إعادة التوزيع، استناداً إلى سياسة وأدوات المالية العامة المتمثلة بالضرائب والإنفاق العام.