يبدو أن الرتابة والنمطية التي كانت سائدةً لم تعد تحكم المشهد العام في السنوات الأخيرة، والبعض يعزو الأمر إلى مخرجات الحرب الطويلة على سورية، والبعض الآخر يرى أنه نتيجة طبيعية لحالة التراكم الزمني وتغيير النمطية في التفكير والخطاب تأثراً بالعولمة ومنصات التواصل الإلكترونية.
أياً كان الأمر فالديمقراطية التي ينشدها مجتمعنا ليست هي ديمقراطية الإجراء والقرار، وليست ديمقراطية الخطابات والتصريحات، إن الديمقراطية تتحقق في مجتمعنا عندما يشعر أغلبية المواطنين أن السلطات، ولاسيما التشريعية والتنفيذية، تمثلان انشغالاتهم فعلاً، وأنهما تعملان على حل مشاكلهم، وأن نقدهم مسموع، وأن ثمة من يمثلهم فعلاً في التعبير عنهم وفي الحصول على حقوقهم.
فالديمقراطية المنشودة هي في ممارسة المواطن لها وليست في ممارسة المسؤول فيها، ومصادفةُ العمـل في الســـلطة التشـــريعية أو التنفيذية لا يعطي مسوغاً للبعــض في التلاعــب بالحقائــق من أجل التأثيــر في أفكـــار النــاس وبالتالي أفعالهم، وقد تكــون حياتهم.
إن التمييز بين ممارسة الديمقراطية والبروباغندا الإعلامية والسياسية لم يُعد خافياً أو صعباً على المواطن السوري.
رغم أن البروباغندا ليست ظاهرة جديدة إلا أنها أخذت بُعداً جديداً مؤخراً، ومن الأمثلة على ذلك رواج ظاهرة التسجيل أو التصوير الشخصي.
وتكرار الظهور وكثرة الكتابات وخلطُ العام بالشخصي ومساعي آخرين إلى دمج الأهلي مع العام وفق رؤىً استثمارية مستقبلية بذرائع محاربة الفساد والحد منه، وبعضُ هؤلاء استخدموا وجودهم في بعض السلطات لممارسة البروباغندا علانيةً لإقناع الناس بأيديولوجيتهم، أفكارهم ومشاريعهم وفق رؤياهم الخاصة.
اليوم غالباً ما تكون البروباغندا مستترةً أو خفيةً بقدر أكبر، وغالباً ما تنتشر عبر وسائط الإعلام الجديدة، مثل وسائط التواصل الاجتماعي، لكن ما هي البروباغندا بالضبط وكيف يمكننا تمييزها؟!
إضافة للمعنى الأصلي لكلمة «بروباغندا» المأخوذة من اللغة اللاتينية والتي يدور معناها حول الترويج أو الدعاية بكثافة أو «التطبيل» لشيءٍ ما، لكن البروباغندا أصبحت تعني محاولة التأثير في الرأي العام عن قصدٍ أو تشكيله والتلاعب بالحقائق من أجل دفع الناس إلى توجيه معين.
يقول الباحث في مجال الصحافة من جامعة الفن والثقافة في «نيوكاسل» البروفسور فلوريان تسولمان: «إن المعلومات المضللة والأخبار الكاذبة جزء من البروباغندا، وتشكل تهديداً لسيادة القانون والديمقراطية والحقوق الأساسية».
كما يوضح بيرس روبنسون الباحث في العلوم السياسية في «منظمة دراسات البروباغندا» أنه يمكن لوسائل الإعلام من جهة أن تنقل وتعزز البروباغندا عن قصدٍ وبشكل موجه، يمكنها أيضاً أن تقوم بذلك من دون قصد.
ويوضح روبنسون أنه من أجل كشف البروباغندا، يجب أن تعمل وسائل الإعلام في أفضل الأحوال مثل «حراس الأبنية»، يقصد بذلك أن تكون حارساً ومراقباً.
ويقول: إن هذا ما يتوقعه الناس، وهذه إحدى المهام الرئيسية للصحافة وفقاً للأبحاث الإعلامية.
وقد سمع بعض الإعلاميين كلاماً مهماً من رئيس الجمهورية بشــار الأســد خلال لقائــه بهــم، مؤكــداً علـــى الــدور المهم للإعلام في الرقابـــة وتصويب الخطـــأ وكشـــف الحقائق بالأدلــة والبراهـــين.
تؤكد نظريات الإعلام أنه كلما زادت شدة البروباغندا الإعلامية وعناوينها ضخامة، ضَمُرَتْ الأعمال على أرض الواقع، فالظاهر يتناقض مع الداخل إن لم يكن مبنياً على ثقة متبادلة وحقائق واضحة، وعليه فبقدر ما نُكْبر تضحيات جيشنا وما يمتلكه الرئيس الأسد من رؤىً لنهضة هذا البلد والوصول به إلى برِ الأمان والسلام والانتصار، يجب على الجميع أن يساعد وأن يكون على مستوى رؤية القيادة السياسية التي منحتهُ الثقة.
إن الثقة وحدها لا تكفي ما لم تقترن بالأفعال والحلول على أرض الواقع، وهذه الحلول التي باتت حاجة ملحة لتخفيف معاناة المواطن اليومية.
إن الثقة بين المسؤول والمواطن لا تُصنع بالبروباغندا الإعلامية بل بالأقوال التي تقترن بأفعال وتُشاهد نتائجها الملموسة بوضوح على أرض الواقع.
إن الرتابة والنمطية التي كانت سائدة في فترة من الفترات لعلها باتت ملحةً في إيجادها في هذه الفترة تجنباً لخيبات جديدة تُصيب الناس، وقد صدق القائل: «إذا كان الكلام من فضة فالسكوتُ من ذهب»، فالناس تَتوق لرؤية الطحين لا لسماع الجعجعة.
دعونا نتجاوز تفاصيل حياتنا اليومية إلى البحث في إستراتيجيةٍ تُعزز صمود شعبنا وتخفف من آلامه.
دعونا نفكر في مخرجات انتصار سورية على أعدائها، لا في آثار الحرب والعقوبات والتسليم للواقع المرير الذي يُريدهُ أعداء الوطن لسورية.