البحث عن رؤية جديدة
| د. علي القيّم
لقد أفرزت الأزمة المريرة التي عصفت بالوطن العربي منذ أكثر من أربع سنوات ونصف مشاكل وتغييرات كثيرة، دمّرت البشر والشجر والحجر، والقيم والأفكار والمبادئ، نتج عنها مأساة مؤلمة، لا يتصورها عقل البشر.. وللأسف الشديد، لم تحرك الأزمة أية دوافع مشروعة لتحريك الفكر العربي باتجاه البحث عن مخرج، وكأن ما حدث ويحدث.. يتم في بلاد الواق الواق أو في بوركينا فاسو، أو الأسكيمو..
أليس هذا ما يدعو إلى الدهشة والاستغراب، من هذا الغياب، اللاعقلاني في بنية الوعي عند هؤلاء المفكرين فيما حدث من مؤامرة كبيرة لا حدود لها على الشرق العروبي، والإسلامي.. لقد كان بالإمكان أن تتكرس الأفكار والمشاريع والرؤى الفكرية، للبحث عن المشكلات والأسباب التي أدت إلى ما حدث في الوطن العربي.. بل كان يمكن أن تتكرس الجهود في اكتشافات جديدة فكرية تؤدي إلى معالجة إشكاليات عديدة، تمثل في الوقت الراهن، مأزقاً حقيقياً، أمام مستقبل الوجود العربي، كانتفاخ الأصولية، وانتشارها، وتكدّس النظرة الكلاسيكية القديمة في الرؤية للمشروع الحضاري العربي، الذي أصبح يحتاج إلى إعادة نظر في الكثير من مبادئه، وإسطوانته المشروخة، التي لم تعد تشكل رهاناً واقعياً على واقعية مستقبل الوحدة العربية.
إن الذي يقود رؤية المفكر العربي، في ظل الأزمة، هو انقياده العاطفي، وليس العقلي، وهذه هي الكارثة التي سقط فيها المشروع الفكري العربي، حينما نبذ العقل، وترك للعاطفة، أن تقود له فقط مشاريعه الراهنة، ورهاناته القادمة.. في ظل التحولات التي ضربت عالم اليوم وفجّرت الوعي بالمؤامرات الكبيرة التي حيكت ضد العروبة والإسلام، منذ سنوات عديدة من قبل الإمبريالية الأميركية والصهيونية العالمية التي وضعت مخططاتها الهادفة إلى تحقيق ثلاثة أهداف:
– اللا وحدة عربية.
– المعارضة والأنظمة، والمأزق التاريخي.
– الأصولية في مواجهة العلمانية.
المطلوب من المفكر العربي، أن يضع هذه العناصر الرئيسة الثلاثة في مختبر عقلاني، وفي إطار موضوعي بعيد عن أي إدانات مسبقة، أو اتهامات جاهزة، ويأخذ بالقواعد الافتراضية التي تسمح لحرية الفكر أن تتطرق إلى ما يشكل ثوابت في الوعي العربي، وفي التراث المعاصر الذي بني على أساس تربية متواصلة، لا يستطيع أي باحث أو مفكر الاقتراب منها..
لقد ارتبط الوعي العربي منذ أكثر من قرن، بالخطابية والشعارات والأسئلة والرهانات، المشروعة، وغير المشروعة، والمبادئ التقليدية التي لم نحصد منها إلا الانكسارات والهزائم المتكررة، والمفاهيم التي لم تعد صالحة من زمن المتغيرات الدولية و«الربيع العربي» و«الفوضى الخلاقة» والتحولات التي أفرزت ظواهر واستنتاجات غاية في التعقيد، ما يتطلب البحث عن أدوات جديدة لحياة جديدة، لا تخضع للرهانات الشعاراتية، وهذا ما يجعل من الوقائع والأحداث الجديدة، التي يخضع لها عالم اليوم وقائع قائمة على وعي جديد، بضرورة فهم المتغيرات خارج سياق العواطف والقيم التي سقطت بسقوط عوامل دولية كثيرة، وأدت إلى أحداث مؤلمة وقاسية، نسفت الكثير من الشعارات والخطابات التي كانت قائمة.
إن ما حدث ويحدث، يتطلب عمليات تفكيك وإعادة تركيب وتنظيم لأمور كثيرة لحقها الفشل والهزائم والنكسات، وهذا يعني البحث عن تجربة جديدة، خارج نطاق الشعاراتية والخطابات المعروفة، وتطورات الأحداث، وواقعية جديدة، فرضت علينا وفق نظرية (سمك، لبن، تمر هندي) و(اختلاط الحابل بالنابل).