لأن الكلام أصبح بلا فائدة وليس له لا «فكاهة ولا مازية» فمن الأفضل ألا نتكلم ولا نكتب ولا نقرأ ولا نغني ولا نبدع، فالصمت سيد الموقف، والسبب في هذه المهزلة أننا لم نجد من يسمع أو يقرأ أو يتجاوب مع الصرخات.
رحم اللـه شاعر العراق معروف الرصافي الذي قال قبل أكثر من مئة سنة:
يا قوم لا تتكّلموا….. أن الكلام محرَّم
ناموا ولا تستيقظوا….. ما فاز إلا النُوَّم
اليوم أنا شخصياً أعلن على الملأ أنني ملتزم بنصيحة الرصافي لأن المثل يقول: «لسانك حصانك إن صنته صانك وإن خنته خانك»، ولن أركب حصاني الجامح خوفاً من أن يقودني إلى التهلكة وسوء العاقبة، فما تبقى من عمري لا يحتمل التفريط بأي ثانية هنا أو هناك أو هنالك!.
سأقضي معظم أوقاتي بالنوم، ألم يقل الشاعر» ما فاز إلا النُوَّم «ثم ألم يقل الشاعر الكبير الآخر محمد مهدي الجواهري «نامي جياع الشعب نامي فإن لم تشبعي من يقظة، فمن المنام».
وأعرف -وأنتم تعرفون- الحكمة القائلة «إذا كان الكلام من فضة فإن السكوت من ذهب» وأضيف: بل من ماس وزمرد ومرجان وأحجار كريمة نادرة.
لو أن كلامنا ينفع لما قررنا التوقف عن الصراخ والانتقاد ومحاربة الفساد والأخطاء والأغلاط الفاحشة التي جعلت حياتنا جحيماً قبل انتقالنا إلى جحيم الآخرة! لكن كلامنا لا يصل لمسامع من يفترض أن يسمعوا، بعد أن أجروا عمليات «تجميلية!» فاستأصلوا الأذنين واللسان وقطعة من المخ، وبالمقابل زرعوا غدداً إضافية من التطنيش والاستخفاف بالناس.
هكذا أكون متحرراً من الكتابة عن معاناة ملايين المساكين، كما قال زياد الرحباني فليس مسموحاً لي على الإطلاق انتقاد وزارة الكهرباء ومديرياتها المنتشرة في المحافظات كافة، وعلي الاعتراف بأن الكهرباء ممتازة فهي تعود فقط إلى العصور الحجرية الوسطى، والدليل أنني كتبت هذه الزاوية بالورقة والقلم وعلى مراحل بعد أن قطعوا عن منطقتي لأسباب مجهولة التيار الكهربائي أكثر من 22 ساعة متواصلة، وقد اضطررت لتكملتها في مطعم ريد روز المجاور شريطة ألا أكتب عنه أي إساءة، لا سمح الله، وأنا الآن لا أحتاج إلى كهرباء ولا طاقة شمسية، ولا حتى طاقة قمرية ولا مشترية، نسبة لكوكب المشتري.
أيضاً، تعهدي يجعلني أمتنع عن التطرق إلى أزمة المحروقات، ودخيلك، ما فائدة المحروقات؟ يقولون إن المازوت للتدفئة، ونحن نتدفأ من إيماننا، الم يقولوا حرارة الإيمان؟. أما عن البنزين فتركناه لأولاد المسؤولين كي «يشفطوا» ليلاً نهاراً ونتمتع نحن بالتشفيط والأغاني اللامفرحة التي تتصاعد من سياراتهم الفارهة، فنحن اخترنا السير على الأقدام كما يفعل الكثير من المسؤولين ومنهم السيد وزير التموين وحماية المستهلك، فهذا أنفع لصحتنا. ولماذا الغاز؟ فالحطب متوافر أكثر والطبخ عليه يعطي الطعام نكهة ألذ وأطيب، وهكذا دواليك بالنسبة لبقية المحروقات التي أحرقت المسافات بيننا وبين عصور الظلام، كما أحرقت قلوب العشاق!!.
أعتذر فأنا لا أستطيع الدفاع عن الفقراء لأني واحد منهم وشهادتي مجروحة، ولم أجد واحداً من نادي الأغنياء يدافع عني وعنهم فأعضاء هذا النادي في وادٍ ونحن في وادٍ فلا تنادي.
أخيراً.. عذراً من الشاعرين الكبيرين الرصافي والجواهري فلن أخلد للنوم، ولن ألتزم بسياسة السكوت من ذهب.