قرار أممي يحتاج إلى قرارات!
| رئيس التحرير
في قراءة أولية للقرار 2254 الخاص بالتسوية السورية، يبدو واضحاً أن هناك توافقاً دولياً لإنهاء الحرب القائمة على سورية وفيها، لكن الكل وفقاً لأجندته الخاصة، فكان القرار خليطاً من الأجندات توحدت تحت مسمى «إنهاء النزاع في سورية» وبإجماع أعضاء مجلس الأمن.
النص واضح وسبق أن اطلعنا عليه في بيان جنيف وفي بيان فيينا، والقرار الأممي جاء خليطاً للبيانين أضيف إليهما لمسات اللاعبين الكبار وأهمها أن الشعب السوري هو من يقرر مستقبله دون تدخل خارجي، علماً أن هذه العبارة وردت في بيان جنيف عام 2012 وفيينا منذ شهر، لكن غالباً ما بقيت وتبقى حبراً على ورق، إذ عملت دول عدة، ولا تزال وستبقى، على مصادرة قرار الشعب السوري وتحديد مصيره وقياداته ومستقبله.
وإذا سلمنا جدلاً أنه من خلال القرار الأخير ستتوقف التدخلات الخارجية في قرار السوريين، يبقى علينا أن نفسر كل بند من بنود القرار الأممي ومعانيه وما يخفيه.
ما معنى «عملية الانتقال السياسي»؟ ومن يقودها من السوريين؟ ومن المعارضة التي ستشارك في هذا الجسم الغريب عن السوريين؟ أهي معارضة السعودية أم أنقرة أم القاهرة أم معارضة الداخل أم ربما خليط من كل ذلك سيخرج به المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا كما ينص القرار!! وكيف يكون التوافق؟ وقبول الآخر؟ وماذا يعني «صلاحيات كاملة»؟
كل ذلك بحاجة إلى قرارات وتفسيرات، ومجدداً نقع في مستنقع السياسة ذاته الذي وقعنا فيه بعد جنيف1 من حيث التفسير والمضمون ومستنقع فيينا2 الذي عمل أردوغان وآل سعود على إخفاقه، وكل بطريقته الخاصة.
القرار يفتح من دون أدنى شك نافذة جديدة باتجاه مفاوضات سياسية صعبة وطويلة، لن تبدأ قبل أن يتم تفسير كل ما سبق وخاصة فيما يتعلق بوقف إطلاق النار ومع من؟ ولمن السلطة في المواقع التي يتم وقف إطلاق النار فيها؟ وما مستقبل الفصائل المسلحة التي لن تصنف إرهابية وولاؤها بالمطلق لدول أجنبية ولا علاقة للسوريين فيها؟! وما مستقبل بعض هذه الفصائل «غير الإرهابية» المتحالفة ذات الوقت أو حتى أنها تعمل تحت إمرة فصائل مصنفة إرهابية منذ فترة طويلة مثل جبهة النصرة؟
ثم لماذا ألغيت صفة العلمانية في القرار كما نص عليه بيان فيينا؟ وإرضاء لمن؟ هل فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة لا ترغب في دولة علمانية، أم أن دولاً عربية ضغطت من أجل إلغاء هذه الصفة عن السوريين لتحويلهم إلى طوائف على اعتبار أن الحديث في القرار عن «دولة غير طائفية»!
من حقنا في سورية أن نسأل المجتمعين عن كل معاني القرار وآليات تطبيقه، ومن حقنا أن نسأل لماذا لم تطبق القرارات الـ 12 السابقة وأهمها المعنية بمكافحة الإرهاب، وآخرها كان القرار قبل الأخير رقم 2253 الذي يطالب بوقف دعم الإرهابيين وتدفقهم عبر الحدود ولم تُثر حوله أي ضجة.
مطلع العام سيكون حافلاً بالزيارات واللقاءات المحلية والإقليمية والدولية لتفسير القرار 2254 ووضع الآليات الصحيحة لتنفيذه، لكن الأكيد في كل ذلك أنه ما دامت المعارضة تتمثل فقط بـ«مندوبين» عن الدول المعادية لسورية فهذا يعني أن التدخل الأجنبي في الشؤون السورية تم ترسيخه في الأمم المتحدة، والسوريون لن ينسوا من هم هؤلاء وولاءاتهم وتمويلهم والدمار الهائل الذي سببوه لسورية من أجل أن يقفوا وقفة ذل أمام زعيم آل سعود ليرمي إليهم بحفنة من الدولارات وهذا ما أشاد به القرار الأممي!
لننتظر ونتريث قليلاً قبل أن نجيب على أهم سؤال يسأله السوريون: وماذا بعد الـ2254؟ قد تكون الإجابة: كما بعد جنيف1 أو فيينا2، مع فارق بسيط أن العالم بات يريد التخلص من الإرهاب الذي صنعه بأسرع وقت ممكن قبل أن يلتهم كل شيء!