لم يشهد العالم منذ سقوط جدار برلين في أواخر الثمانينات من القرن الماضي صراعا خطراً كالذي يحصل الآن.
للمرة الأولى منذ انهيار الاتحاد السوفييتي تعيش أوروبا حالة خوف عارم من اندلاع حرب نووية وخاصة بعد أن علقت روسيا العمل باتفاقية «ستارت الجديدة» للحد من انتشار الأسلحة الإستراتيجية والتي كانت روسيا وأميركا قد وقعّتا عليها عام ٢٠١٠.
مع غياب الاتفاقية يمكن أن تتضاعف الترسانة النووية لروسيا وأميركا، وكتب مدير مشروع المعلومات النووية الاتحادي في أميركا هانس كريستنسن: «مثل هذه الزيادة ستكون مزعزعة وخطيرة خاصة مع اندلاع حرب واسعة النطاق في أوروبا».
لذلك شبه الكثير من المحللين الصراع الدائر بين روسيا وأوكرانيا الآن بأزمة الصواريخ النووية في كوبا في ستينيات القرن الماضي والتي انتهت بسلام بعد اتفاق تاريخي بين الزعمين الأميركي والسوفييتي آنذاك جون كينيدي ونيكيتا خروشوف.
من ناحية أخرى يبدو أن هذا الصراع لم يعد متعلقاً بروسيا وأوكرانيا فقط، بل تطور ليشمل الصين بعد أن اتهمتها الولايات المتحدة على لسان وزير الخارجية أنتوني بلينكن بتزويد موسكو بالسلاح.
يرى مراقبون أن المحاور المشاركة في الحرب الباردة الجديدة تتشكل بسرعة وهي تصبح أكثر تعصباً لرأيها مع الوقت، فألمانيا مثلا أعلنت تحولاً سلبياً في علاقتها مع روسيا والتي أدت إلى تغيير في سياساتها العسكرية وفي مجال الطاقة، وعلى وقع الصراع عملت الولايات المتحدة على إعادة تنشيط حلف شمال الأطلسي «ناتو»، كما وجهت الدعوة لكل من أستراليا ونيوزيلندا واليابان وكوريا الجنوبية والهند لحضور قمة «ناتو» الصيف الماضي، وأعربت هذه الدول عن قلقها من طموحات الصين، ما دفع إدارة بايدن لتعزيز علاقاتها العسكرية مع أستراليا واليابان والهند كما أعلنت واشنطن توسيع أنشطتها العسكرية في الفليبين لتعزيز قدرتها على الدفاع عن تايوان.
هذه التطورات لا يمكن أن تنفي حقيقة أن الظروف العالمية في وقتنا هذا تختلف بشكل كبير عن الظروف التي كانت سائدة في فترة الحرب البادرة، ففي تلك الفترة كانت سياسة التحالفات القوية مبنية على الإيديولوجيا سواء في المعسكر الغربي أم المعسكر الشرقي، وعندها كان من الصعب إجراء مساومات لأن الولاء للمعسكر كان قوياً بسبب سيطرة الإيديولوجيا.
الآن أثبتت العلاقات السائدة بين الدول أن سياسة التحالفات السابقة قد انتهت، فعلى سبيل المثال حافظت روسيا على علاقاتها مع مجموعة من الدول التي تدور في فلك واشنطن، الهند مثلاً التي تتفق مع واشنطن في مواجهة الصين لكنها تعتمد بشكل كبير على الأسلحة والنفط من روسيا، هذا بالإضافة إلى أنها ضاعفت تجارتها مع روسيا.
سواءً كانت المرحلة الراهنة هي حرب باردة جديدة أو حرب عالمية ثالثة، ربما على القوى المتنازعة وعلى رأسها الولايات المتحدة، أن تفكر في العمل بدبلوماسية عالية لتجنيب العالم كارثة قد يذهب ضحيتها ملايين الناس.
حذر مهندس «سياسة الاحتواء» الأميركية تجاه السوفييت جورج كينان في أيامه الأخيرة من المنطق المغري للحروب الباردة والساخنة، ففي عام ٢٠٠٢ شن حملة ضد التوجه نحو حرب العراق وقال: «إنك قد تبدأ حرباً بأشياء معينة في ذهنك ولكن غالباً ما ينتهي بك الأمر بأنك تقاتل من أجل أشياء مختلفة تماماً لم تفكر بها من قبل».