قضايا وآراء

عود على بدء

| منذر عيد

في قراءة لمشهد ما يجري من أحداث على صعيد التقارب العربي من سورية، عبر سيل البرقيات والرسائل التي تلقتها القيادة السورية، والزيارات الدبلوماسية العربية إلى دمشق، يبدو أن البعض أدرك أن آخر فرصة يمكن أن تشكل له مناسبة وحجة لقصد دمشق هي المظلة الإنسانية إثر حدوث الزلزال، وأن آخر طائرة يمكن أن يجد مقعداً عليها لتقله إليها هي طائرة المساعدات الإنسانية، بعد أن أخفق جميع من حاول الوصول إلى دمشق عبر الطائرة العسكرية أو الطائرة السياسية في حصول ذلك، لتتجاوز القيادة جميع المواقف العربية الماضية، وهي من عبرت أكثر من مرة سابقاً وعلى جميع المستويات تفهّمها لموقف بعض الدول التي تتواصل مع سورية بشكل غير علني بسبب الضغوط الغربية والأميركية.

من الواضح أن عودة العرب زرافات لسلوك طريق دمشق بعد أن اعشوشبت لقلة الحركة عليها، أسست لها الفلسفة السياسة لدولة الإمارات، وانتهاج الواقعية، لجهة تفهمها لعلاقة سورية بباقي الدول، ويقينها أن البعد عن دمشق سوف يعمق القطيعة، دون أن يأتي بأي نتيجة، وبأن العودة إليها هي الحل لإنهاء الأزمة فيها، وعودة الأمور إلى سابق عهدها، واتجاهها للمقاربة بأن حل الأزمة السورية هو مفتاح رئيسي لنجاح الحرب على الإرهاب، إضافة إلى ذلك دور سلطنة عمان من خلال سياسة الحياد الإيجابي، ولعب دور الوسيط، دافع آخر لإقدام باقي العرب على سلوك الطريق ذاته، وفوق كل هذا إيمان الجميع بأن سورية كانت وما زالت ركيزة أساسية للعمل العربي المشترك، وضلعاً محورياً لا غنى عنه لمنظومة الأمن القومي العربي.

الحراك على طريق دمشق مع باقي العواصم العربية، أعاد الحراك أيضاً على طريق دمشق- أنقرة بعد برود تسبب به الزلزال في السادس من الشهر الماضي، ليعلن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف الأحد الماضي أن روسيا وتركيا وسورية وإيران بدأت العمل لتحديد موعد وطريقة اجتماع وزراء خارجيتها، ليفتح ذاك اللقاء إذا ما تم الأفق واسعاً أمام مشهد سياسي وميداني جديد في سورية، تكون فيه أنقرة شريكاً في الحل، بعد أن كانت لسنوات سبباً رئيساً في الأزمة، ما يؤسس لوضع أسس الحل النهائي للمناطق التي يحتلها الجيش التركي، وهو ما أكده بوغدانوف بالقول: «لا نشكك في أن وجود القوات التركية في سورية له طبيعة مؤقتة»، وصولاً إلى القضاء على التنظيمات الإرهابية التي تسيطر على مناطق واسعة في إدلب، وإغلاق ملف اللاجئين وعودتهم إلى مناطقهم وقراهم.

الصورة الإيجابية لمستقبل سورية، التي بدأت تتشكل بسرعة مؤخراً، دفعت بالإدارة الأميركية، إلى إدراك أي موقف حرج وصعب هي في خضمه، فسارعت كعادتها إلى سياسة التهديد والوعيد تجاه من يفكر بالتقرب من دمشق، ليعلن بالأمس المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس أن الولايات المتحدة تحث المجتمع الدولي على ألا يترافق تقديم المساعدة لسورية في أعقاب الزلزال بتطبيع العلاقات معها، قائلاً: «نظن أنه يمكننا وكذلك جميع دول العالم تلبية هذين المطلبين في الوقت نفسه: توفير الاحتياجات الإنسانية للشعب السوري من دون إعادة النظر أو رفع مستوى العلاقات مع الدولة السورية».

لا نخفي ارتياحنا بعودة العرب إلى دمشق، كيفما كانت تلك العودة، وإن تأخر من عاد إليها في اتخاذ قراره، وخاصة أن دمشق شكلت على الدوام ومنذ أن نشأت جامعة الدول العربية عنصراً محورياً فيها، وكانت الرافعة الحقيقية للعمل العربي المشترك، قبل أن يطعن البعض العربي دمشق في خاصرتها، ويدعم التنظيمات الإرهابية بالمال والسلاح منذ بدء الحرب الإرهابية الكونية عليها، وهي التي لم تعادِ أحداً، فعملت ورغم «ظلم ذوي القربى» إلى الاتجاه نحو سياسة تمتين العلاقات الثنائية، ليقينها أن العمل العربي لا يمكن أن يتوقف، ارتهاناً لهذه الدولة أو تلك، تحقيقاً لأجندات خاصة وخارجية، الأمر الذي أكده الرئيس بشار الأسد خلال لقائه وزير خارجية مصر سامح شكري مؤخراً بقوله إن العمل لتحسين العلاقات بين الدول العربية بشكل ثنائي هو الأساس لتحسين الوضع العربي بشكل عام.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن