لؤلؤ على الأرصفة!
| عصام داري
ساعات قليلة تفصلنا عن عبور الخط الوهمي الفاصل بين عام وآخر.
العام 2015 بدأ بلملمة أوراقه استعدادا للرحيل وتسجيل اسمه في سفر التاريخ، ولن نأسف على رحيله، لأنه كان عاماً للأحزان الكبيرة، والفرح العابر كفراشة في نفق مظلم لا حدود له.
صحيح أننا عندما نودع عاماً ونستقبل آخر ندرك أننا نقترب شيئاً فشيئاً من نهاية المشوار، وأننا نكون صرفنا عاماً جديداً من بنك أعمارنا الذي نعرف أن رصيدنا فيه محدود وليس هناك أرباح وفوائد ترتجى، لكننا نودع هذا العام مبتهجين، ليس بسبب خسارة عام من حياتنا، وإنما لأننا نودع عاماً كئيباً، أثخننا بالجراح، وصبغ البيوت بالأسود.
في هذا المكان الذي أنشر فيه، كتبت مع نهاية العام 2014 مقالة استغربت فيها –على ما أذكر- الاحتفالات التي تقام بهذه المناسبة، وتساءلت: كيف نحتفل بوداع عام ذهب ولن يعود من أعمارنا؟.
وهل يحتفل المرء بضياع أي شيء من مقتنياته الخاصة، مهما كان تافهاً وقليل القيمة، حتى يحتفل بنهاية سنة من عمره، قد تكون سنة عقيمة، وغير مثمرة على الصعيدين الشخصي والعام؟.
لكنني اليوم، وبعد الحصاد المر طوال عام خلا، ربما هو الأمر، أنضم إلى المحتفلين برحيل هذا العام المأساوي، وكما المأثور الشعبي والعادات المعروفة، سأكسر وراء العام الراحل ألف جرة وجرة، على أمل أن يكون العام الجديد خيراً من أخيه، وأن يحمل البشرى للسوريين بأن شمسهم ستشرق من جديد لتضيء العالم، كما أضاءته خلال آلاف السنين بحضارتها المتنوعة الراقية.
نأمل أن يهدينا العام الجديد الفرصة لتستعيد سورية ألقها الذي كان عبر القرون، سورية التي أعطت البشرية أول أبجدية في التاريخ، وأول نوتة موسيقية، وأول منسوجات وصباغ أرجواني بلون قرص الشمس نفسها، هذه الأرض التي عرفت زراعة أول حبة قمح في تاريخ البشرية.
أدعوكم إلى حفل باهر، ليس لوداع العام الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة، وإنما لاستقبال العام الجديد الذي نحمّله الأماني العريضة والكبيرة للسوريين المعذبين المقهورين من تطاول الحاقدين وأعداء البشرية وتجار الحروب والدمار والدماء على القامة السورية، وكل من أعطى هؤلاء تأشيرة الدخول إلى هذه السورية، التي ما عرفت طوال تاريخها سوى المحبة والحب والسلام والثقافة والبناء الحضاري المشغول من خيوط النور، وعقول أبناء هذا البلد عبر السنين.
لست متنبئاً ولم أمارس ضرب المندل ولا التنجيم، لكنني أرى في الأفق موجة تفاؤل ساحرة آتية مع غيمة عطر وردية، وشلال نور ننسج منه عباءة حب تغطي سورية والسوريين، وبساتين ورد وبنفسج ورياحين ترسل عطرها في الأفق، وزغاريد صبايا كنّ حتى الأمس متشحات بالسواد، فغداً لنا العرس بعد أحزان الصبايا والثكالى.
لن يتوقف قطارنا في محطة الانكسار، ولن تكبو خيولنا، ولن نرفع الرايات البيض، وسيظل الحب هاجسنا، والمحبة دربنا، وسنظل ننظم الأشعار، ونسهر الليالي المقمرة، ونرسم لوحات عشق سرمدية للبشر وللوطن بكل تفصيلاته الصغيرة قبل الكبيرة.
سنحتفل بعد عام من الآن بولادة جديدة للأرض والإنسان، وللحب والخير والجمال والسحر، وأيضاً لعدالة الأرض والسماء، هي أمنيات، لكننا قادرون على صنع ما هو أصعب من الأحلام.