صوت الحرية..
| د. اسكندر لوقا
ليس مستغربا أن يختلف الناس فيما بينهم حول هدف ما له علاقة بقضايا حياتية. بيد أن اختلافا لهذا السبب لا يعني، بالضرورة، أن يؤثر سلبا في هدف مشترك بحد ذاته، بل ربما فقط على الطريقة التي توصل إليه.
قد يكون الهدف واضحاً تماماً، ولكن، لتباين وجهات النظر حول نقطة الانطلاق إليه، كثيراً ما تتسبب في قيام العقبات التي تحول دون تحقيقه في الوقت المناسب، وقد تضيع الفرصة بذلك على أطراف الخلاف كافة.
وبديهي القول بأنه ليس من الطبيعي، أو المنطقي، أن تتطابق الآراء، حكما، بين هذا الطرف وذاك، وذلك بحكم اختلاف العمر أو الخبرة في الحياة أو الثقافة أو حتى الحاجة. ومن هنا تتوالد الآراء وتتباين بين أصحابها، وفي هذه الحالة قد يتفقون فيما بينهم أو يختلفون، ولكن يبقى الهدف دوما هو نفسه، أو هكذا يجب أن يكون.
وأكثر ما تبدو هذه الظاهرة، في حالة فقدان التحكم بالذات في أوقات الغضب، أو في أوقات عدم الاستعداد لسماع الرأي الآخر. وهذه الظاهرة غالبا ما تكون وليدة اللحظة، حيث طرف يشدّ الحبل باتجاهه والآخر يشده باتجاهه. وبطبيعة الحال فإن أخطر النتائج التي تنجم عن وضع كهذا هو تعرض الحبل للقطع. وبهذا الشأن ينصح الإنكليز أن يعد الطرفان قبل أن ينتهيا إلى النتيجة المشار إليها حتى العشرة وعندئذ تكون فورة الغضب أو الاشتباك في الرأي قد همدت، وبالتالي يكون الوصول إلى الهدف برؤية، إن لم تكن تامة، فستكون متقاربة مع وجود البعض من نقاط الاختلاف.
وما يجعل هذه المعادلة لها أهميتها، أنها لا تأخذ أبعادها في سياق الصراع على الحقوق العامة، لأن أي تراخ في الحرص على هذه الحقوق معناه ضياعها في عالم انتظار الفرصة التالية وما بعدها. كذلك هو حال التمسك بحق شعب يسعى لاستعادة جزء من أراضه مغتصبة أو للدفاع عن حاضره في زمن العدوان عليه حرصا على مستقبل أجياله الآتية.
ومع أن اختلاف وجهات النظر مدخل لإطالة زمن الوصول إلى الحقيقة في معظم الأحيان، فإن الرأي الآخر لا بد أن تكون له أهميته، ولا بد من القول إن التعامل معه أفضل من تجنب الاعتراف به.
في سياق هذا المعنى نقرأ للحكيم اليوناني تيتوس فلاكينوس [327-210 ق.م]: إن صوت تصادم الآراء هو صوت الحرية عندما يكون مسنده الدفاع عن الحقيقة.