المسلسلات تتنافس في رمضان والكوميديا غائبة … مازن طه لـ«الوطن»: الكوميديا لا تحتمل نصف نجاح أو نصف فشل
| مصعب أيوب
القائمون على الدراما السورية استطاعوا عبور الأزمات المختلفة التي عاشتها سورية مؤخراً بأقل الخسائر وتحقيق معادلة التنوع الصعبة ما بين مختلف أنواع الدراما على اختلافها إلا أن الكوميديا بقيت خارج هذه المعادلة أو أنها كانت حاضرة على استحياء، فلم تعد الكوميديا تشغل مقعدها في صدارة الإنتاجات الدرامية للموسم الرمضاني كما كانت لعقود متتالية كما ألفناها زمان الأبيض والأسود، وبمتابعة المستجدات اليومية للأعمال الكوميديـــة السورية التي تخـــوض الماراثـــون الرمضانـــي لهـــذا العام تعـــد ضعيفة بعض الشيء.
حضور خجول
تجلى الحضور الكوميدي لرمضان 2023 في عملين اثنين فقط هما المسلسل الاجتماعي صبايا فليكس وهو الجزء المتمم لسلسلة صبايا السابقة، ويتطرق لمغامرات جديدة شيقة للفتيات الخمس اللاتي اعتدن العيش سوياً في منزل واحد، ولكن هذه المرة بعد خوضهن لتجارب الزواج ودخولهن عالم الأمومة لتعترضهن لبعض المواقف الطريفة والعمل من إخراج فادي وفائي وتأليف محمود إدريس وبطولة ديمة بياعة وجيني اسبر ونظلي الرواس وميرنا شلفون.
والعمل الثاني هو مسلسل قرار وزير الاجتماعي الذي نفّذ بقالب كوميديّ تبدأ قصته من المحامي العصامي هيثم الذي يتم تعيينه وزيراً ليفاجئ الجميع بعد وقت قصير ويتقدم بطلب استقالته لأنه رجل إصلاحي ويحارب الفساد والفوضى فلم يستطع الاستمرار في هذا المناخ الموبوء فتمر الحلقات ببعض المواقف الكوميدية والتي تميزت بالافتعال وعدم الإقناع، والعمل من تأليف وإخراج طارق سواح وبطولة جرجس جبارة وسوسن ميخائيل وريم عبد العزيز وجيني اسبر وجمال العلي.
حفاظ من الضياع والتلاشي
الإضحاك في حد ذاته هو عملية معقدة يعتمد على الحالة النفسية للمتلقي وثقافته، والدراما قد تخاطب القلب وتلعب على وتر المشاعر فهي أقل صعوبة في تأليفها وكتابتها من الكوميديا فهل هناك أعمال تكتب ولا يتاح لها المناخ المناسب للحفاظ على دم الكوميديا؟ أم هل يتم رفض إفساح المجال للجيل الجديد أم إن الأعمال التي تطرح جميعها تصب في التراجيديا؟
في مصر لم تتوقف الكوميديا عبر عقود كثيرة بل تتعاقب عليها أجيال مختلفة، فبعد محمد هنيدي وأحمد حلمي تبعهم هاني رمزي وأحمد مكي إلى أن بتنا نسمع بأكرم حسني وبيومي فؤاد ومحمد ثروت في محاولاتهم المستمرة للتمسك بالكوميديا والحفاظ عليها من الزوال وهي لا تزال إلى اليوم تحجز موقعها الطبيعي بين أقرانها.
في سورية الأمر مختلف بعض الشيء فبعد أن سيطر دريد لحام ونهاد قلعي وياسين بقوش سابقاً على المشهد الكوميدي بالشراكة مع ناجي جبر لعدة عقود تبعهم جيل جديد من جملتهم أيمن زيدان وحسام تحسين بيك ومن ثم الجيل الأخير بمن فيهم أيمن رضا وباسم ياخورونضال سيجري وغيرهم، لكن اليوم باتت الكوميديا وحيدة لا معين لها، تستنجد بمن يسعفها ولكن ما من مجيب.
التوجه للدراما المشتركة
في تصريح خاص لـ«الوطن» الكاتب مازن طه يوضح أن كثيراً من الأعمال التي تحمل صفة الكوميديا ليست كوميدية فلا نحكم على عمل بمجرد أن صنفه أصحابه كذلك، مبينة أن هناك أزمة في إنتاج الكوميديا الحقيقية سببها الأول ندرة النصوص الكوميدية المطروحة وتضاؤل مساحة الكتاب القادرين على كتابة هذا النوع من الدراما.
وأضاف إن من جملة الأسباب التي أوصلت الكوميديا إلى هذا الحد لم تأخذ حتى الآن المساحة الكافية التي تليق بها على منصات العرض، فالتوجه العام وسياسات العرض تسير في اتجاهات أخرى لعل أبرزها الدراما المشتركة، إضافة إلى عدم رغبة بعض المنتجين والمخرجين بالمخاطرة في هذا النوع لأنه لا يحتمل نصف نجاح أو نصف فشل، ونتائجه تكون حادة بعض الشيء فإما النجاح الفائق أو السقوط المدوي، لافتاً إلى أنه لم يســـتطع عمل كوميدي واحد مؤخراً أن يلفت الأنظار أو يحظى بإجماع الجمهور، وختم أنه من المؤسف للدراما السورية أنها تفتقر منذ نحو خمسة أعوام للكوميديا.
جمهور محلي
الكاتب والمخرج محمود ادريس يقول: «السبب الأهم لتراجع قاعدة الكوميديا هو توجه شركات الإنتاج لتبني نوعية معينة من الأعمال دون سواها وهو ما سببه أن ما يطلب من شركات الإنتاج عبر قنوات البث ومنصات العرض الرقمية والفضائيات يبتعد بعض الشيء عن الكوميديا فتسلك هذه الشركات أقصر الطرق لتحقيق النجاح المحقق عبر نوعية معينة أثبتت نجاحها سابقاً».
وأضاف إن العمل الكوميدي هو الأكثر محلية، ولكون شركات الإنتاج لا تعنى بالمشاهد المحلي وتسعى لتحقيق انتشار على أوسع نطاق فلن تكون الكوميديا من ضمن أولوياتها، والحل بطبيعة الحال برسم جهات الإنتاج المحلية التي تتبع لوزارة الإعلام لأنها الجهات المعنية بالدرجة الأولى بمخاطبة المشاهد السوري بعيداً عن معادلات التسويق العربية.
بعدد شخصيات محدود وبسياق متصل منفصل بعيداً عن البهرجة والتكلفة العالية رفع ضيعة ضايعة أسهمه لدى الجمهور واستطاع الوصول إلى كل أصقاع الوطن العربي، كما فعل بقعة ضوء أيضاً، لكن أين هؤلاء اليوم؟
وهل ما قدمه «صبايا فليكس» من لمحات فيها من الفرح ليكون عملاً كوميدياً، وهو ليس كذلك؟! وهل يكفي عمل «قرار وزير» الذي قلّ أن نجد من تابعه أو حمل منه مشهداً ليكون ممثل الدراما السورية في موسم كامل؟
ألا يكفي خمسة أعمال تحكي قصص البيئة الشامية؟ أليس المشاهد بحاجة لبعض الترفيه والتسلية؟
لاشك في أن الخريطة الدرامية رمضانية وغير رمضانية بحاجة إلى مراجعة كاملة من المنتجين والفنانين لتغطية جوانب الدراما والكوميديا، وألا يكون إنتاجنا محصوراً بعقلية المنتج وما يريده والمنتج المنفذ المحلي.