جال بين عوالم الشعر والموسيقا والتشكيل والكتابة … أيمن الدقر.. أعماله شرقية وسورية في مفرداتها وأجوائها ودمشقية بروحها
| وائل العدس
نعت وزارة الثقافة الكاتب والفنان التشكيلي أيمن الدقر الذي رحل عن دنيانا صباح أمس عن عمر ناهز 69 عاماً.
بصمات فنية جلية وضعها الفنان الراحل في مجالات عدة عبر تجربة ثرية جالت بين عوالم الشعر والموسيقا والتشكيل والكتابة، حيث جمع بينها من خلال تشكيلاته البانورامية التي جسدت الأصالة.
كان يبحث عن أناقة الشكل ورمزية التكوين وشاعرية التشكيل وإيماءات الحكاية الأسطورية، ويظهر في فضاءات بعض لوحاته وجه المرأة والتشكيل الزخرفي الشعبي المتعدد المصادر والإيقاعات، والمنقوش أو المجسد على النحاسيات والزجاجيات والفخاريات وسواها.
تميزت أعماله بأصالتها، فهي شرقية وسورية بامتياز في مفرداتها وأجوائها، ودمشقية بروحها وخصوصاً المستوحاة من شعر نزار قباني، بل إنه الفنان الذي يمثل دمشق الحضارة والتاريخ والجمال، واستطاع أن يخلق جسراً بين اللوحة والمجتمع كله، إضافة إلى وقوفه إلى جانب الفنانين الجدد ودعمهم.
يعتبر صاحب مدرسة فنية عريقة تؤمن بالفن القوي الذي يحترم المشاهد، فلوحاته تحمل فكراً وتمكناً وثقافة عالية. ورغم أنه كان مقلاً في معارضه الفردية التي لم تتجاوز في عددها سبعة أو ثمانية معارض، إلا أنه استطاع أن يوجه الأنظار إلى أعماله.
ومن أهم لوحاته، الجدارية الضخمة في مستشفى حاميش بدمشق، ولوحته الكبيرة التي جسد فيها أسباب العدوان على سورية ونتائجه وأشكاله، والكثير من أعماله مقتناة من جهات عامة وخاصة في العديد من الدول.
النشأة الأولى
نشأ الراحل ضمن أسرة متعلمة ومثقفة، فبحكم وجود المكتبة في منزله أحب القراءة وتعلق بها، وكان لها دور كبير في صقل مواهبه المتنوعة، فعندما كان بعمر التاسعة حفظ الكثير من الأشعار، وفي المرحلة الإعدادية بدأ كتابة الشعر، كما أنه تعلم العزف على آلتي الكمان والعود وأتقنهما، ولديه لحن مسجل في الإذاعة بمهرجان «الأغنية السادس» من كلمات الشاعر حسين حمزة، أصبح بعد ذلك لحن شارة مسلسل «حارة المشرقة»، الذي كتب السيناريو الخاص به، وبعد أن حصل على الشهادة الثانوية عام 1974، دخل كلية الفنون الجميلة لكونها الأقرب إليه.
أما بالنسبة للكتابة، ففي عام 1975، عندما كان في السنة الأولى من كلية الفنون الجميلة كتب عملاً مسرحياً بعنوان: «سلطان بالزور» وأخرجها ولحنها، وعزف اللحن الفنان هادي بقدونس، وشارك بها الفنان سلوم حداد، وحصلت على جائزة المسرح الجامعي، هذه التجربة لم تكن الوحيدة، لكنها أتت متأخرة، فقد كان يؤمن بأن الكتابة لا تمنحنا وهجها إلا بقراءات متعددة تسبقها، فهو من القراء النهمين، والثقافة المتراكمة عبر سنوات حياته والاختلاط اليومي مع الناس كانا الدافع الأكبر بعودته إلى الكتابة، فكتب المسلسل التلفزيوني «حارة المشرقة» وهو عبارة عن مسلسل اجتماعي يتحدث عن مكونات الناس ضمن حارة تضم نسيجاً اجتماعياً موجوداً في الواقع، يضم العديد من المتناقضات الاجتماعية التي تمثل المجتمع السوري بكل أطيافه.
وكتب أيضاً مسلسلاً إذاعياً يتألف من 15 حلقة بعنوان: «شلة العمر»، تم تنفيذه في إذاعة «دمشق» عام 2014.
مناصب وجوائز
ولد الفنان الراحل في دمشق عام 1954، وهو خريج كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق، حاز جائزة الملصق السياسي في مهرجان الشباب العالمي في موسكو عام 1985، والجائزة الأولى في تصميم وسام البطولة الذي منحته قيادة اتحاد شبيبة الثورة لأسر الشهداء.
صمم لوحات التموضع الأرضي لدورة البحر الأبيض المتوسط، والعديد من الأوسمة العسكرية للجيش العربي السوري.
كان رئيساً للمكتب الفني لدورة حوض البحر الأبيض المتوسط عام 1987 التي أقيمت في اللاذقية، ورئيس فرع دمشق لنقابة الفنون الجميلة عام 1992، وعضو مجلس محافظة دمشق، وأسس المهرجان الثقافي الأول في دمشق عام 1995، رسم الكاريكاتور في مجلة «حياة الناس» الصادرة في «دبي»، ثم عين رئيساً لقسم التحقيقات فيها، وكان نقيباً للفنون الجميلة في «سورية» عام 1998، كما شغل منصب رئيس تحرير مجلة «أبيض وأسود» الأسبوعية السياسية الاقتصادية الثقافية السورية ومنصب المدير العام لدار الأولى للنشر والتوزيع.
أقام عدة معارض للوحاته في سورية وألمانيا والمملكة العربية السعودية.
بين سورية وفلسطين
استطاع أن يترك بصمة واضحة عند توليه مسؤوليات نقيب الفنانين التشكيليين، وحقق الكثير من المكتسبات للفن التشكيلي السوري وأهمها افتتاح العديد من الفروع وإقامة الملتقيات وتسمية عدة مدارس بأسماء الفنانين التشكيليين، كما لا يمكن تجاهل دوره في البحث والعمل التوثيقي الموسوعي ومن أهم أعماله «فلسطين الأمس واليوم وغداً» الذي قدم فيه آلاف الوثائق النادرة والخرائط الدقيقة عن القضية الفلسطينية، وكذلك قام بتوثيق آثار الحرب على سورية منذ بداية الهجمة الإرهابية عليها حتى نهاية عام 1914.