الدوري الكروي الممتاز.. المدربون حكاية أخرى.. أكثر من ثلاثين مدرباً تنقّل في الدوري من ناد لآخر
| ناصر النجار
الفكر الكروي ما زال قاصراً في قيادة كرتنا سواء على صعيد اتحاد اللعبة أو الأندية، ونلمس هذا القصور في عدة نواح أوضحها عملية تبديل المدربين وتغييرهم بشكل دائم ومستمر.
وعلى ما يبدو أن التغيير في أغلبه ليس له علاقة بالمدرب ومستواه (على سبيل المثال) لأننا وجدنا بعض المدربين ينتقلون من ناد لآخر بكل سلاسة، ولو كان (العطل) من المدرب لما طلبه ناد آخر.
وخير دليل على ذلك المدرب عمار الشمالي الذي حاز بطولة الدوري مع الفتوة، وفاز بالمباراة الفاصلة المؤهلة لبطولة الاتحاد الآسيوي، وبعدها تمت إقالته بكل سلاسة! وقبل ذلك فشل مع تشرين ولم يتابع مع الوحدة.
بكل الأحوال المدرب بحاجة إلى ظروف مناسبة ومقومات عمل ليحقق النجاح المطلوب، وهذه كلها غير متوافرة في أنديتنا على الإطلاق لذلك فإن مدربينا هم الحلقة الأضعف في كرتنا، ومن هنا نعرف أن المدرب عندما تكون الظروف مناسبة يحقق المطلوب منه، فماهر بحري عندما أتيحت له الظروف والإمكانيات في نادي تشرين وساندته الإدارة استطاع تحقيق البطولة، لكنه مع أهلي حلب انسحب ولم يتابع لأنه شعر بوجود أمور سلبية تعوق الفريق وتقف أمام نيله البطولة، ومع جبلة لم يحقق ما يريد لأن الظروف لم تكن مناسبة على الإطلاق.
وبالمقابل نجد أن رأفت محمد لم يحقق النجاح مع تشرين، لكنه مع العهد اللبناني حقق ما أراد وأكثر وفاز بالبطولة.
أسباب الفشل
فشل العملية الفنية في الأندية يعود لعدم الاستقرار الفني، فالتغيير والتبديل المستمران لهما آثارهما السلبية على الفريق لتعدد الأساليب والأفكار وتعدد الشخصيات، فاللاعب بطبيعة الحال يتأثر بشخصية المدرب واسمه وسيرته الذاتية.
وأسباب عدم الاستقرار الفني متعددة نذكر منها:
أولاً: عدم استقرار إدارات الأندية، وكما نلاحظ فإن الأندية واقعة تحت تأثير التغيير والتبديل المستمرين، وأغلب الإدارات الوافدة الجديدة قد لا يعجبها مدرب الفريق، فتقوم بتغييره، لأن المنطق هنا مبني على العلاقات الشخصية أكثر ما يكون مبنياً على مبدأ الخبرة والكفاءة.
ثانياً: عدم اتفاق الأعضاء على المدرب في الإدارة الواحدة يؤدي إلى اضطراب الفريق كله، ولاحظنا على سبيل المثال أن بعض الفرق كانت إداراتها منقسمة حول المدرب، فهناك من يدعم المدرب وهناك آخرون في صف آخر، والمشكلة أن من يقف ضد المدرب تأثيره السلبي على المدرب وعلى الفريق أكبر من أي تأثير إيجابي آخر.
ثالثاً: غياب الاستراتيجية، جميع الأندية لا تملك إستراتيجية عمل لسنوات قادمة، وأنديتنا تعمل للمنظور القريب، وعمل الأندية دائماً محصور بهدفين لا ثالث لهما، أولهما: الفوز ببطولة الدوري، وثانيهما: الثبات بالدوري (عدم الهبوط).
وقد يكون هذان الهدفان طبيعيين وهما غاية أغلب الفرق، لكن مع غياب الفكر والإستراتيجية فإن بقاء هذين الهدفين من دون تخطيط سليم يجعل من العمل ناقصاً وقاصراً وغير تام.
المبدأ يقول: هناك رابح واحد في كرة القدم، بقية الفرق غير الرابحة لا تعتبر موسمها بمرحلة بناء لموسم آخر قد تكون هي الرابحة فيه، لذلك نجدها تستسلم وتبدأ بالتغيير والتبديل من دون وجود مبرر أو خطة معلنة، وهذا ما شاهدناه بأندية الجيش والوثبة وجبلة على التوالي، هذه الفرق كانت منافسة حتى منتصف الدوري، وبعضها حتى منتصف الإياب، لكن عندما ضعفت حظوظها انسحبت من المنافسة بطريقة بعيدة كل البعد عن الفكر الكروي السليم وتابعت الدوري بلا عزيمة ولا تصميم أو إصرار وكأن بقية المباريات صارت تحصيل حاصل لا قيمة لها.
والدليل العملي على ما نقول إن هذه الفرق خسرت فرصة المنافسة على كأس الجمهورية أيضاً وهو ما يشير إلى انهيار هذه الفرق، والسبب الأهم يكمن بغياب التخطيط السليم في الأندية، وإذا نظرنا إلى الفرق التي وصلت إلى نصف نهائي الكأس لوجدنا أنها لم تكن من الفرق الخمسة المنافسة على لقب الدوري!
التغيير لم يأت بالمفيد
التغيير في المدربين بالأندية لم يأت بالمفيد أبداً، ولم نجد أي تغيير حقق المراد، وهذا يدل على أن التغيير في أثناء الموسم غير مجد، ويدل على أن مشكلة فرقنا ليست بالمدرب وحده، لكن الأسوأ أن كل مدرب جديد يتنصل من المسؤولية باعتبار أنه لم يختر اللاعبين، بيد أن الأسوأ من كل ذلك أن بعض المدربين يتحدثون بما لا يليق عمن سبقهم من المدربين.
والأندية في مسيرتها منذ بداية الموسم حتى الآن شاهد حي على ما نقول: الوثبة الذي كان فارس الدوري وعندما تغيّر فراس معسعس تراجع فريقه من المركز الأول إلى الخامس، والجيش عندما غادره حسين عفش تراجع الفريق من المراكز المنافسة واستقر سادس الترتيب آخر الدوري، لم نجد أن التغيير كان مجدياً وذا فاعلية وبقيت الفرق على حالها، فلم ينتشل المدربون الجدد فرق الطليعة والوحدة وحطين من المراكز المتأخرة ولم يتحسن أداؤها، والمجد هبط رغم تحسن أدائه لأن التغيير المتكرر في مرحلة الذهاب أغرق الفريق في غياهب الظلمات.
تنقلات واسعة
الجديد في دوري هذا الموسم أن العديد من المدربين تنقلوا من ناد لآخر في الموسم الآخر، أبرزهم عمار الشمالي الذي بدأ الموسم مع تشرين في الكأس ثم الوحدة واختتم موسمه مع الفتوة، ماهر بحري بدأ مع أهلي حلب وأنهى الموسم مع جبلة، حسين عفش درب في الذهاب فريق الجيش وخاض الإياب مع أهلي حلب، أحمد عزام درب الكرامة في خمس مباريات وانتقل بعدها إلى الوحدة.
المدربون الذين تناوبوا على الأندية هذا الموسم تجاوزوا الثلاثين مدرباً بعضهم لم يظهر في أي مباراة وبعضهم كان مدرب طوارئ في بعض المباريات.
أكثر الفرق التي بدلت مدربيها كانت فرق الوحدة وتشرين والمجد بواقع خمسة مدربين في المباريات الاستعدادية ومباريات الكأس ومباريات الدوري.
الوحدة بدأ مع الصربي سنسيا دوبرا موفيتش ثم زياد شعبو ثم وليد الشريف وبعده عمار الشمالي وأخيراً أحمد عزام.
تشرين بدأ مع عمار الشمالي ثم رأفت محمد وهشام كردغلي ومحمد عقيل وعبد الله مندو.
المجد بدأ مع هشام شربيني وجاء بعده محمد خلف ثم عماد دحبور وعبد الهادي حريري وأخيراً مصعب محمد.
الجيش بدل أربعة مدربين، في الكاس بدأ مع رأفت محمد ثم في الدوري مع حسين عفش وأيمن الحكيم وختم الدوري مع أنس مخلوف.
الكرامة بدّل ثلاثة مدربين، بدأ مع فواز مندو ثم أحمد عزام وأخيراً طارق الجبان، الطليعة بدأ مع فراس قاشوش وخلفه بشار سرور، ثم أعيد فراس قاشوش مع بداية الإياب.
حطين بدأ بعبد الناصر مكيس وقبله لم يتفق مع أحمد عزام لشروط الأخير، بعد المكيس أشرف على الفريق عمار ياسين وختم الدوري مع محمد شديد.
أربعة فرق تعاقب عليها مدربان في الموسم، أولها الفتوة بطل الدوري، بدأ مع ضرار رداوي ثم تعاقد مع عمار الشمالي ومع نهاية الموسم أقيل الشمالي!
أهلي حلب وصيف الدوري بدأ مع ماهر بحري في الذهاب ثم حسين عفش في الإياب، جبلة ثالث الدوري بدأ مع علي بركات ثم ماهر بحري، الوثبة تعاقد مع فراس معسعس وختم الدوري مع حسان إبراهيم.
أخيراً نذكر أن رقم التغيير أكبر من هذا بكثير وخصوصاً إذا علمنا أن كل مدرب تجري إقالته تتم إقالة الكادر الفني والإداري معه في أغلب الأحيان، ولنا أن نتصور حجم التغيير في الدوري الذي يشبه الكارثة الكروية لأضراره الجسيمة في كرتنا.