لا أحد يستطيع في هذه الظروف تجاهل المضاعفات التي حملتها الأسابيع الماضية على الكيان الإسرائيلي على الرغم من نجاح الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو في تمرير تعديلاتها القضائية دون اصطدام حاد ونزاع أهلي بين قوى المعارضة ومن أيدها من ضباط وجنود في الجيش، فقد لاحظ المحللون والخبراء السياسيون في تل أبيب أن معركة جنين حملت تحولاً واضحاً في قدرة المقاومة على إرهاق جيش الاحتلال وردعه نسبياً وتحولاً خطيراً آخر من التحدي الذي خلقته المقاومة اللبنانية بقيادة حزب اللـه في جنوب لبنان حين نشرت خيمة على أراضي لبنان رغما عن جيش الاحتلال، ورافقها أمين عام حزب اللـه حسن نصر اللـه بتهديدات تحذر الكيان من أي رد فعل لأن المقاومة جاهزة للرد بشكل غير مسبوق على أي عدوان، وفي جبهة قطاع غزة ما زال جيش الاحتلال يضع حسابات لأي مغامرة قد يفكر بها للتخلص من عبء القدرة الصاروخية والقتالية لهذه الجبهة.
يبدو أن المتخصص بشؤون سورية ولبنان وفلسطين في مركز أبحاث جامعة تل أبيب البروفيسور ايال زيسير، لاحظ هذه التطورات وعلق عليها في تحليل نشره في صحيفة «يسرائيل هايوم» العبرية في 30 تموز الماضي تحت عنوان يدل على خوف الكيان من هذه التطورات وهو: «محور حزب اللـه وإيران والمقاومة الفلسطينية والحظ السعيد لهم» فهو يحذر في تحليله قائلاً: حين يكون هذا المحور سعيداً فهذا يفرض على إسرائيل أن تصبح قلقة ولا تخدعها أوهامها ولذلك ربما سيكون على إسرائيل في هذا الوضع اختيار ساحة للمجابهة وتحدد توقيتها المناسب»، ويضيف زيسير: «إن أعداء إسرائيل في المنطقة يفركون أيديهم بفرح وبشكل علني لأنهم يعتقدون أن حلم الأجيال الذي حاولوا تحقيقه ولم ينجحوا حتى الآن وهو توجيه ضربة شديدة لإسرائيل وتدميرها أصبح الآن بنظرهم يتجسد أمام أعينهم حتى دون جهد منهم بسبب الأزمة الداخلية التي تولدت فيها».
واستذكر ما أعلنته المقاومة قبل ذلك حين صرح قادتها أن المطلوب من الإسرائيليين أن يرحلوا ويتركوا الأراضي التي احتلوها وأن هذا الهدف بدأ يصبح قابلاً للتحقق، ولذلك يحذر زيسير الحكومة الإسرائيلية من احتمال قيام المقاومة من الشمال والجنوب والوسط بالتحرش بها لتحقيق مكاسب متدرجة على جبهة الشمال، ويستنتج زيسير أن: «جولات مجابهة ترافقها أيام قتالية أصبحت مسألة وقت، ولذلك يتعين على الجيش الإسرائيلي زيادة قوته وحماية درجة الردع في المقابل، بل يتعين تحديد ساعة الصفر الإسرائيلية المناسبة أيضاً كي لا تسمح لأطراف محور المقاومة بجر إسرائيل إلى مجابهات ضدنا في وقت لا نرغب فيه، وباختصار لقد حان الوقت المناسب لتوجيه ضربة لحزب اللـه ومن الأفضل قبل ساعة».
ويستشهد زيسير في تحريضه لشن ضربة ضد حزب اللـه بما ذكره وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسينجر حين قال: إن «إسرائيل لا ينقصها فقط سياسة خارجية قوية بل أيضاً سياسة أمن قوية، وما يحدد هذه الضرورة أصبح يتعلق باعتبارات سياسية داخلية».
ويكرر زيسير تحذيره لإسرائيل قائلاً: إن نصر اللـه سيستغل الضعف المنعكس من الوضع الإسرائيلي الآن أمام أعدائها وفي نهاية الأمر يجب أن يتلقى ضربة من إسرائيل رغم أسفنا من الثمن الباهظ والزائد الذي سنضطر لدفعه على هذا الطريق».
يبدو من الواضح تماماً أن زيسير يوصي حكومة نتنياهو بشكل علني بتوجيه عملية عسكرية أو حرب مباشرة استباقية ضد جبهة جنوب لبنان، ويكرر أن الضرورة تتطلب من تل أبيب تحديد وقتها والإسراع بتوجيهها، لكن السؤال الذي تجنب زيسير التطرق إليه في دعوته هذه هو: هل سيضمن جيش الاحتلال إذا قرر مثل هذه العملية العسكرية على جبهة واحدة أو ساحة واحدة ألا تشارك كل قوى المقاومة على مجابهته في عدة جبهات تأكيداً لوحدة الساحات وبحيث تمتد من جنوب فلسطين على حدود قطاع غزة ومن داخل القدس والضفة الغربية بل أيضاً من جبهة حدود الجولان أيضاً؟
لقد أصبح موضوع التحضير لعدوان إسرائيلي عسكري محتمل على جدول عمل حكومة نتنياهو لأسباب كثيرة أهمها محاولته لامتصاص مضاعفات الأزمة الداخلية التي لا تزال ذيولها تتواصل وتهدد استقرار الكيان الداخلي.