ماذا يعني تعاون إستراتيجي بين سورية والصين؟ … سلمان لـ«الوطن»: توطيد للعلاقات التاريخية التي بدأت منذ عشرات السنين بين البلدين
| جلنار العلي
عيون السوريين معلقة على زيارة الرئيس بشار الأسد إلى الصين، وعلى الأخبار التي تصل تباعاً من هناك، ولعل أهمها ما صرح به الرئيس الصيني شي جين بينغ عن بدء العلاقة والشراكة الاستراتيجية مع سورية.
هذا الكلام بدأ يبني السوريون عليه بعض الآمال لمعرفتهم بقوة الاقتصاد الصيني وضخامة شركاته وسرعة الإنجاز التي تميز بها، مع الأخذ بالحسبان العلاقة القوية والقديمة بين البلدين، والمواقف السياسية التي قدمتها الصين لسورية خلال سنوات الأزمة.
«الوطن» استطلعت آراء مجموعة من المختصين حول الموضوع وما يمكن أن يُبنى عليه بشكل حقيقي، فرأى الخبير الاقتصادي الدكتور حيان سلمان في تصريح خاص لـ«الوطن» أن زيارة الرئيس الأسد إلى الصين بدعوة من الرئيس الصيني شي جين بينغ، ستكون لها إيجابيات كبيرة في المستقبل، وخاصة أن البلدين تربطهما علاقات قديمة وتاريخية بدأت منذ طريق الحرير قبل الميلاد، وأيضاً تعد سورية من أوائل الدول التي اعترفت بدولة الصين، كما أن الموقف السياسي واضح حيث استخدمت الصين الفيتو أكثر من مرة، وهي تعاني أيضاً الإرهاب كما هو حال سورية.
وأكد الدكتور سلمان أن الصين تمتلك خبرة اقتصادية كبيرة والدليل على ذلك أنها تعد الاقتصاد الأول إذا ما قيست بالأسعار الحقيقية للناتج المحلي الإجمالي، حيث وصل ناتجها في عام 2023 إلى حدود 18 تريليون دولار، كما أنها استطاعت أن تتجاوز الدول السبع الصناعية بأكملها باستثناء الولايات المتحدة الأميركية، لكن إذا ما قيس الناتج الإجمالي المحلي بأسعار المستهلك فيمكن القول: إنها تتجاوز أميركا أيضاً.
وأشار إلى أن سورية انضمت إلى طريق الحرير منذ عام 2021، وتعد عقدة وصل بين القارات الثلاث، وهي نهاية البحار وبداية البر، وهي التي تحيط بأوروبا التي تعد الصين من ألد أعدائها، وبالتالي يمكن القول: إن هذه الاتفاقية ستصب في مصلحة البلدين والشعبين، متأملاً أن تتجسد هذه الزيارة في عدة نتائج اقتصادية، فالصين مصنفة ضمن إطار مجال العقوبات الاقتصادية والإرهاب الاقتصادي الأميركي والغربي كما هو الحال بالنسبة لسورية، متابعاً: «ولكن للصين مستقبل في منطقة الشرق الأوسط ويمكن لسورية أن تكون نقطة انطلاق لها إلى المنطقة».
وحول الميزات الاقتصادية التي تمتلكها الصين، بيّن الدكتور سلمان أن الصين تمتلك أكبر احتياطيات نقدية في العالم فيمكن أن تقيم سورية معها مشروعات استثمارية مربحة ومفيدة على أساس الشراكة، وخاصة أن الصين تطرح مشروعات على مبدأ (رابح رابح)، كما يمكن الاستفادة من المنظمات الدولية للصين كبريكس وشنغهاي، ومن الصناديق المخصصة للتنمية كصندوق التنمية الجديد الذي أسس عام 2014 برأسمال قدره 50 مليار دولار، وهناك أيضاً صندوق آخر وهو الصندوق الاحتياطي بقيمة 100 مليار دولار.
وأكد الدكتور سلمان أن الصين حققت تطوراً كبيراً في مختلف الصناعات، وتشكل الصناعة حوالي 52 بالمئة من الناتج الإجمالي، كما تعد الصين أكبر مصدّر في العالم، وميزانها التجاري رابح مع أكثر من 150 دولة من دول العالم أولاها الولايات المتحدة الأميركية، وهي تعد أكبر دائن لها أيضاً بأكثر من تريليون دولار، معتبراً أن الصين تحتاج إلى مجالات متعددة للاستثمار وسورية اليوم خرجت من الحرب ودخلت في مرحلة إعادة الإعمار والبناء، وهذا الأمر من المتوقع أن يتناوله الرئيسان السوري والصيني في القمة، ولا سيما أن الرئيس الصيني طرح الشراكة الاستراتيجية مع سورية، وكان قد سبقها عدة شراكات إستراتيجية مع أربع دول: روسيا وبيلاروس وباكستان، وأضيفت فنزويلا منذ حوالي الشهر في الزيارة الأخيرة للرئيس الفنزويلي إلى الصين.
وتابع: «أرى أن هذه الزيارة ستنقل العلاقات بين البلدين إلى علاقات إستراتيجية وبالتالي يمكن القول: إنها مفيدة وفي وقتها المناسب لكلا البلدين».
وفي سياق متصل، أشار الدكتور سلمان إلى أن الصين كانت تركز على الجانب الاقتصادي بالعلاقات بين البلدين وبدأت بالكثير من المشروعات الاقتصادية في سورية حتى عام 2020، إذ إنها انتقلت إلى الجانب السياسي لتصبح لاعباً دولياً مهماً تجسد في تطبيع العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران، وانتقلت فيما بعد إلى القارة الإفريقية وغيرها، معتبراً أن كل العلاقات تؤول في النهاية إلى علاقات اقتصادية نقدية.
وأكد سلمان ضرورة وجود رؤى تنطلق من الواقع، لتحديد ماذا تريد سورية من الصين، معتبراً أن هذه الزيارة أكدت أن الصين خرقت قانون الإرهاب الاقتصادي الذي يتضمن العقوبات والحصار ضد سورية المتجسد بقانون «قيصر» وهي حريصة على عدم الوقوف عنده، لذا فإن الصين تدعو إلى إقامة نظام عالمي جديد وتحطيم القطبية الأحادية والتخلص منها، معتقداً أنه من الضروري الآن التوجه بالسياسة النقدية والمالية إلى التعامل بالعملات المحلية وتخصيص بنوك خاصة لذلك، وأن يتم إحداث بيت صيني في سورية وبيت سوري في الصين.
وأضاف: «يمكنني القول إن كل المؤهلات موجودة كي ترقى العلاقة بين سورية والصين إلى مستوى العلاقات الاستراتيجية».
من جانبه، اعتبر الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق الدكتور أحمد صالح في تصريح لـ«الوطن»، أن سورية مركز حضاري عالمي ومركز تفاعل حضاري مهم عبر التاريخ، ومركز جذب ثقافي وتجاري واقتصادي، وكانت تقع تاريخياً على مسارات تجارية عظمى، وبالتالي فإن زيارة الرئيس الأسد إلى الصين تأتي في سياق سياسي واقتصادي لتحقيق مصلحة مشتركة للبلدين وخاصة أنه يوجد محاور جديدة تتشكل في دول العالم، فتعد هذه الزيارة فرصة ليشكلا حلفاً اقتصادياً وسياسياً يصنع السلام في هذا العالم، ومن المتوقع في هذه الزيارة أن يتم رسم الإطار الاستراتيجي لتعزيز آفاق التعاون بين كلا البلدين فالصين تعد بلداً كبيراً إمبراطورياً لديه طموحات اقتصادية وهو يملك الإمكانيات لتحقيق ذلك، وسورية لديها مقومات لتحتضن مشروعات كهذه وتكون شريكة فيها، فموقعها الجيو اقتصاد سياسي يؤهلها لتكون عقدة للمواصلات الاقتصادية والثقافية والحضارية، إضافة إلى أن سورية تمتاز بامتلاكها عمقاً حضارياً ورأسمالاً بشرياً كبيراً يمكن أن يسهم في تعزيز هذه العلاقات، ويستفاد أيضاً من سورية هي نافذة الشرق على دول الغرب.
وحول دور هذه الزيارة في التخفيف من العقوبات الغربية الاقتصادية المفروضة على سورية، أكد صالح أنه في السابق لم يدّخر الجانب السوري أي جهد للالتفاف على هذه العقوبات وفك الحصار الاقتصادي وإنهاء الحرب، مستشهداً بما قاله الرئيس الأسد في أحد لقاءاته التلفزيونية مؤخراً بأن العقوبات ليست هي المعوق الوحيد الذي يقف في وجه التنمية في سورية وإعادة البناء، فهناك عوامل أخرى كالاحتلالين الأميركي والتركي والصهيوني تلعب دوراً كبيراً في استنزاف الثروات والموارد الاقتصادية، ولكن وجود حلفاء استراتيجيين أقوياء وشركاء حقيقيين كالصين وروسيا وإيران يخفف من آثار هذه الحرب، مؤكداً وجود الكثير من الأمور والنتائج المنتظرة من هذه الزيارة.
وعما يتوقعه التجار من تلك الزيارة، أكد عضو غرفة تجارة دمشق محمد حلاق في تصريح لـ«الوطن» وجود آمال بأن تكون لها منعكسات اقتصادية تخص الاستثمارات والخبرات الصينية، فالصين بدأت مؤخراً بالاستغناء عن الكثير من الصناعات لأسباب إستراتيجية وجغرافية كما أن تكلفة اليد العاملة فيها أصبحت مرتفعة جداً، لذا تعد سورية قادرة من خلال موقعها الجغرافي المتميز أن تستفيد من تلك الصناعات وتوطينها في سورية بشكل ما، وأساس العمل في هذه الصناعات هو توافر حوامل الطاقة، وعندما توجد هذه الصناعات في سورية فإن اليد العاملة فيها تكون أرخص وبالتالي فهي تعطي ميزة تفضيلية، إضافة إلى أن أجور النقل إلى دول الشرق الأوسط التي كانت تعاني منها الصين ستكون أقل في سورية.
وتأمل حلاق أيضاً بإعادة تفعيل الموقع الجغرافي لسورية والاستفادة من موانئها لتكون مركزاً للاستلام والتواصل والتسليم، وبارتفاع حجم الصادرات بشكل يغطي الدول الأخرى، معتبراً أن كل الاتفاقيات الاقتصادية التي سيتم توقيعها هي مهمة لا شك، ولكن يبقى الدور الكبير ملقى على عاتق القوانين السورية، فمثلاً تحتاج بيئة العمل في سورية إلى مرونة أكبر لجذب هذه الاستثمارات، مؤكداً أن قانون الاستثمار يعد اللبنة الأساسية ولكنه غير كافٍ.