قضايا وآراء

لقاء سوري- مصري على هامش قمة الرياض

| عبد المنعم علي عيسى

ثمة معطيات تشير إلى أن اللقاء الذي جمع الرئيسين السوري والمصري على هامش «القمة العربية الإسلامية المشتركة» المنعقدة بالرياض يوم الـ 11 من الشهر الجاري، لم يكن «عابراً»، أو أنه من النوع الذي يصح توصيفه بـ«العادي»، كذاك الذي غالباً ما يحدث بين القادة والرؤساء في مثل مناسبات كهذه، الأمر الذي يقود، عندها، إلى ترسيخ صورة لتلك اللقاءات مفادها أن الغرض من الفعل «إعلامي» فحسب، والراجح هنا أن ذلك اللقاء قد يشكل محطة وازنة لعودة «الحرارة» إلى الخط الناقل ما بين دمشق والقاهرة تبعاً للمعطيات التي قد تبرزها السردية الواردة أدناه.

لم تنقطع العلاقة السورية- المصرية في غضون سنوات الأزمة التي دخلت عامها الثالث عشر، إلا لفترة وجيزة لم تتعدَّ العام الواحد 2012 – 2013 الذي تربع فيه الرئيس الراحل محمد مرسي على سدة السلطة بالقاهرة، والمؤكد هو أن تلك الفترة كانت «انقطاعية» مع التاريخ المصري قبل أن تكون كذلك مع تاريخ العلاقة السورية- المصرية، ومنذ أن وصل الرئيس عبد الفتاح السيسي للسلطة في مصر، في تموز عام 2013، لم تنقطع تلك العلاقة حتى في أحلك اللحظات السورية التي ازدادت قتامتها كثيراً وتلونت بأشكال عدة بعد هذا التاريخ، وإنما استمرت على نحو أو آخر وعلى مستويات عدة، والشاهد هنا هو أن السفارة السورية بالقاهرة بقيت تمارس المهام المنوطة بها تماماً كما فعلت نظيرتها المصرية بدمشق لكن درجة التمثيل فيهما كانت تتحدد تبعاً للظروف، وكذا تبعاً للضغوط التي كان البلدان من خلالها عرضة لصنوف شتى منها، مع الإشارة إلى اختلاف في طبيعة تلك الضغوط المطبقة على البلدين، وكذا في حدتها، حيث من المؤكد هو أن المطبقة منها على دمشق كانت بأضعاف تلك الفاعلة على القاهرة ناهيك عن أن التباين كان مما تفرضه طبيعة الأزمة السورية الطاحنة التي كانت الأعتى مما شهده العالم بعد الحرب العالمية الثانية قبيل أن تنتزع الأزمة الأوكرانية منها ذلك التصنيف مطلع الربيع من العام 2022.

من الثابت الآن أن الطرفين، أي سورية ومصر، ولاعتبارات عدة قد تكون معروفة، فضلاً التركيز على «مضمون» العلاقة القائمة بينهما إبان اشتداد الإعصار مع اتفاق غير معلن على تهميش «الشكل» والأطر التي سارت عليها تلك العلاقة، ومثل هذا يظهر في الأداء الذي سارت عليه الدبلوماسية المصرية التي لعبت دوراً جيداً في العديد من اتفاقات «خفض التصعيد» وإن كان ذلك الدور تشاركياً مع الروس الأمر الذي لم يضع القاهرة في دائرة الضوء تلك التي كانت مسلطة على تلك الاتفاقات، وعندما انعقدت القمة العربية بالقاهرة عام 2015 رفضت الأخيرة أن يشغل «الائتلاف المعارض» للمقعد السوري فيها أسوة بما فعلت الدوحة شهر آذار من العام 2013 عندما انعقدت القمة العربية فيها، وفي خطوة متقدمة على هذا المسار قال الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال حديث أدلى به لقناة RTP البرتغالية شهر تشرين ثاني من العام 2016: إن مصر «تدعم الجيش العربي السوري وكل الجيوش النظامية التي تواجه الإرهاب»، وأضاف: إن مصر داعمة «لوحدة سورية وكامل ترابها» مع التأكيد على «ضرورة الحفاظ على كامل مؤسسات الدولة السورية القائمة»، والمؤكد هو أن حديث الرئيس المصري آنف الذكر، كان يحمل في طياته «نيات» تقول بوجوب الارتقاء على السلم ومغادرة حالة «الحذر» التي فرضتها الاعتبارات التي وصفناها بالمعروفة أعلاه.

بشكل مؤكد يمكن القول: إن المحور المصري- السوري كان غالباً ما يشكل ركيزة للاستقرار في المنطقة، ومعها كانت الأخيرة قادرة على مواجهة التحديات المفروضة عليها في الحالة التي يصبح فيها ذلك المحور بوضعية النشاط خصوصاً إذا ما اعتد بالرياض كضلع ثالث، لكن المؤكد هو أن ذلك المحور، كان قد تلقى ضربة قاسية مع سقوط بغداد نيسان 2003 الأمر الذي كانت إحدى تداعياته تتمحور حول انتقال مركز الثقل العربي إلى منطقة شبه الجزيرة العربية ومحيطها بالخليج العربي، حيث الفعل سيتخذ طابعاً أوضح مع الانهيارات التي شهدتها منطقة حوض المتوسط العربية في أعقاب هبوب رياح «الربيع العربي» عليها، ومن حيث النتيجة قادت الأحداث تلقائياً إلى تضعضع وضعية المحور لأسباب بعضها داخلي، لكن الأهم منها هو الخارجي الذي راحت مخططاته تحلم بحفر «خنادق» يكون من الصعب معها على طريق دمشق- القاهرة أن يظل سالكاً، أما الترميم فهو سيحتاج لوقت طويل جراء عمق «الخنادق» التي كانت النظرة إليها تقول إنها تكفي لتحقيق هدف من هذا النوع.

قد يكون التوصيف الأنجع للقاء الرئيسين هو أنه جاء في سياق «ترميمي»، ومعه، أي مع ذلك السياق، يبدو أن انشغال الطرفين قد قفز لحدود الاهتمام بـ«الشكل» مع كل ما يعنيه ذلك من دلالات أبرزها مغادرة القاهرة لـ«حذرها» الذي كانت حريصة من خلاله على عدم استفزاز «جهات» كانت قادرة على ضرب الاستقرار المصري في لحظة كانت التوازنات الداخلية المصرية شديدة الهشاشة، ومنها، أي من تلك الدلالات، تلك الرؤية التي تقول، وفي الأمر ما يدعو إليه، أن تمام الصورة لا يكتمل إلا عندما يصبح «الشكل» رديفاً لـ«المضمون» ومعبراً عنه.

كاتب سوري

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن