لم يكن ما كشفته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية وفي هذا التوقيت بالذات محل مصادفة، خاصة أن العنوان حمل رسائل عدة أولاها أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بات عبئاً على الرئيس الأميركي جو بايدن، وأن السلام لن يحل دون رحيله، وهذه المؤشرات تؤكد أن البيت الأبيض بدأ يشعر بحجم الضغط الخارجي والداخلي نتيجة ما يحصل بغزة، فقبل 44 يوماً ليس كما الآن، خاصة أن العجز الإسرائيلي بات واضحاً لجهة الأهداف التي تم وضعها من حكومة الاحتلال.
فبعد عملية «طوفان الأقصى» وبدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وحشد الرأي العام العالمي من حلفاء أميركا وإسرائيل، حاول بايدن استغلال ما يجري للاستثمار فيه داخليا مع اقتراب الانتخابات الرئاسية لتحقيق نصر سياسي خارجي يدعم مداميك بقائه كرئيس أميركي على رأس إدارة البلاد، ولكن رياح الحرب على غزة لم تجر كما تشتهي سفن بايدن.
الإعلام الأميركي وبعض الإعلام الغربي، بدأ يروج باتجاه تحميل نتنياهو مسؤولية تعاظم التأييد العالمي للشعب الفلسطيني وانقلاب المشهد، خاصة أن أبرز تفاصيل الروايات الإعلامية هي أن بايدن يجد صعوبة في إقناع نتنياهو، باتخاذ خطوات لمنع تصعيد الصراع في غزة، وهو ما يؤدي لتوتر العلاقة بين الجانبين.
الرئيس الأميركي وبعد ما وصلت إليه الأمور في غزة من عدم القدرة على ضبط تصدير السرديات المزيفة، وعدم تحقيق أي إنجاز لاستثماره في الداخل الأميركي، ذهب باتجاه قلب الطاولة، وتحقيق أي تقدم سياسي حتى لو كان وقفا لإطلاق النار، وحتى لو كان على حساب نتنياهو.
في حسابات الدولة العميقة للولايات المتحدة الأميركية، تصبح المعادلة الأسلم هي مصلحة الداخل الأميركي مقابل رأس نتنياهو الذي لا يحمل علاقات جيدة مع الديمقراطيين، أقلها منذ عهد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، وكل ذلك ضمن الحسابات السياسية قبل الدخول إلى الحسابات الاقتصادية، فتدهور اقتصاد إسرائيل نتيجة حربها ضد الفلسطينيين رغم الدعم الأميركي أصبح يشكل عبئاً مضاعفاً إلى جانب الحرب الأوكرانية على واشنطن التي استنزفت ما استنزفته خلال العامين الماضيين.
وبحسب تقديرات خبراء غربيين فإن كل يوم من أيام «الصراع مع فلسطين» يكلف إسرائيل 250 مليون دولار فالاقتصاد الذي كان يعد قبل بضعة أسابيع نموذجاً للرخاء، وجد نفسه فجأة في مواجهة أزمة اقتصادية، فقد تم تجميد بعض مجالات الاقتصاد مثل السياحة والخدمات والبناء، فعلياً منذ تشرين الأول، وزاد العجز في الميزانية العامة إلى سبعة أضعاف، وتجاوزت الأضرار الناجمة عن الحرب 8 مليارات دولار. وأدت هذه العوامل كلها، بشكل عام، إلى قيام البنك المركزي الإسرائيلي بتخفيض توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي هذا العام إلى 2.3 بالمئة من تقديرات الربع الثالث السابقة والبالغة 3 بالمئة وسط تصاعد الصراع. وكانت التوقعات للعام 2024 عند 2.8 بالمئة.
خيارات واشنطن تجاه ما يجري في غزة ضيقة خاصة أن الوقت لا يجري لمصلحة الكيان الصهيوني، والانتخابات الرئاسية الأميركية عامل داخلي إضافي يجعل من رأس نتنياهو الحل الأمثل لإنهاء الحرب وتطبيق صفقة تبادل للأسرى ووقف الاستخدام المفرط للقوة ضد المدنيين الذي انعكس وبالا على بايدن ونتنياهو.