وفر الحديث المفاجئ عن إلغاء الدورة التكميلية _الصيفية _ لامتحانات الشهادة الثانوية العامة للعام القادم 2024، فرصة لحوار يتجاوز _التربية _ إلى الأداء الإداري العام في سورية.
أثيرت المسألة في سياق خبر عن زيارة وزير التربية إلى القنيطرة (الوطن 9/12/2023) ومن هناك صرح أن الامتحانات تحتل الأولوية في عمل وزارة التربية وأن الوزارة تعمل على إحداث مجلس أعلى تربوي (وندرس إمكانية إلغاء الدورة التكميلية للشهادة الثانوية ). وفي أحاديث تالية رداً على استهجان كثر، أوضح الوزير أن مجلس الوزراء بكامله وافق على الإلغاء الذي سيقود إلى خفض معدلات القبول في الجامعات..!! وسيوفر الراحة للمدرسين والمدرسات في الصيف.
وإذ نناقش هذه المسألة المهمة فما ذلك إلا لأنها وثيقة الصلة بمستقبل عشرات ألوف الشبان والشابات السوريين. ونأمل ألا يكون كلامنا للتاريخ فقط.
أولاً: الامتحانات مسألة شائكة وهي محكومة بالقانون الخالد: إن تدرس تنجح وكانت وما تزال موضع بحث للتخفيف من تعب وقلق الطلاب والعدل بينهم، لكن القول الحاسم فيها المكتوب على أقواس أبواب عدة كليات تربية عالمية هو: الامتحان شر لابد منه.
ثانياً: تعلمنا على يد أساتذتنا في الجامعة أن لا علم من دون أرقام وفي هذا المجال المهم تقول أرقام وزارة التربية إن عدد من تقدموا في هذه السنة إلى الدورة التكميلية في الفرعين العلمي والأدبي قد بلغ 136770طالبا وطالبة علما أن عدد الناجحين في امتحانات الشهادة الثانوية العلمي والأدبي في العام 2023 قد وصل إلى 144833 طالباً وطالبة أي ما يقرب من 90 بالمئة من الناجحين في الفرعين. وهذا دليل دامغ على شعبية الدورة التكميلية وشغف الطلاب بها وشعورهم أنها ضرورة ماسة لهم.
وتعلمنا في كلية التربية بجامعة دمشق أن النهج التربوي الحديث المتطور بات يعتبر الطالب محور العملية التربوية.
لم نقرأ أن وزارة التربية استأنست برأي الطلاب أو أصغت إليهم. من المؤسف أن بعضهم يتعاملون بفوقية مع الطلاب، في قضية مهمة كهذه كان يجب سماع رأي اتحاد شبيبة الثورة في سورية ممثل طلاب المدارس الثانوية.
ثالثاً: ثمة حكمة عالمية تقول: الوقت مال، إن سنة من عمر الشباب غالية جداً، سنة تغير المستقبل كله، فلماذا نحرم طلابنا من أن يربحوا الوقت. وأعتقد أن المدرسين والمدرسات سوف يسرهم في هذه الظروف المعيشية الصعبة، أن يعملوا في الصيف لقاء تعويض مجز، أما القول أن إلغاء الدورة التكميلية سيخفض معدلات القبول في الجامعات، فهو غير منطقي أبداً.
إن الطموح أن يجتهد الطلاب وأن يحصلوا على أعلى العلامات، ويجب على وزارة التعليم العالي أن تفرح بهذه النتيجة لا أن تشعر بالغم كما حدث قبل أكثر من ثلاثين سنة عندما فوجئت أن عدد الناجحين ازداد 26 ألف طالب عن السنة السابقة. وأحرجت وزارة التعليم العالي، الدولة السورية واضطرتها أن تحول 70 بالمئة من الناجحين في (الشهادة الإعدادية) إلى التعليم المهني، ما أساء للتعليم المهني آنذاك حتى تم التراجع عن الإجراء إلى 30 بالمئة من الناجحين في (الكفاءة) إلى التعليم المهني، في سياق إفساح المجال أمام التعليم الجامعي الخاص والمفتوح والافتراضي، وانتشار الجامعات في المحافظات، وكان هناك من يقف بقوة ضد هذا الانتشار.
وبمعنى آخر فإن الحل المنطقي والعملي لاحتضان المتفوقين وذوي العلامات العالية، هو توسيع الكليات وافتتاح جامعات جديدة انسجاماً مع الزيادة السكانية والانتقال إلى الدوام شبه المسائي والتدريس يومي الجمعة والسبت أسوة بالتعليم المفتوح، فالجامعات مؤسسات إنتاجية تبني المهارات والكفاءات ونحن الآن بأمس الحاجة إلى (الكوادر) الماهرة التي تتقن الأداء في كل مجالات الحياة.
خامساً: أرى بدلاً من اقتراح مراسيم جديدة أن تنصب جهود وزارتي التربية والتعليم العالي، على تنفيذ مرسومين كانا أمنية غالية على قلوب من شاركوا في مؤتمرات تطوير التعليم وأقصد بهما المرسومين 38 و39 وقد نصا منذ ثلاث سنوات على تحويل المدارس المهنية والمعاهد التقنية إلى مراكز إنتاجية ترتقي بالدخل المالي للطلاب والمدربين والمدرسين وتوفر للوطن بنى تحتية إنتاجية إضافية وتوفر قيمة مضافة للاقتصاد الوطني وتقدم حلاً للنقص الفادح في عدد الفنيين وكسر حدة غلاء أجورهم، إن تفعيلهما دواء لكثير من صعابنا.