شهدت جمهورية الصين الشعبية منذ قيامها عام 1949، نمواً اقتصادياً وخاصة مع بدء تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح على الخارج عام 1978، حيث نما الاقتصاد الصيني بصورة مستقرة وسليمة، ويمكن تقسيم تطور الاقتصاد الصيني لمرحلتين:
مرحلة البناء الاشتراكي ما بين عامي 1949-1976 التي تميزت بإعادة تنظيم الزراعة والاعتماد على الصناعة الأساسية والتجهيزية، إضافة إلى القضاء على النظام الإقطاعي.
ومرحلة الانفتاح على الرأسمالية منذ 1978 وتميزت بإدخال إصلاحات جذرية على الاقتصاد وذلك بالسماح بإنشاء مقاولات خاصة وتحديث الصناعة والسماح بالملكية الخاصة للأراضي وجلب التكنولوجيا الغربية.
يبلغ الاقتصاد الصيني 18 بالمئة من حجم الاقتصاد الأميركي قياساً بالدولار، إلا أنه يبلغ 76 بالمئة من الاقتصاد الأميركي قياساً إلى القدرة الشرائية.
في 21 تموز 2005 رفعت الصين قيمة عملتها الرنمينبي (يوان) بنسبة 2.1 بالمئة أي 8.11 يوان مقابل الدولار، ثم انتقلت إلى نظام صرف بمجموعة من العملات سمح لليوان بالزيادة بنسبة 6.9 عام 2007، وبنسبة 6 بالمئة عام 2008 حيث وصل سعر صرف الدولار الواحد حينها إلى 6.88 يوان.
الصين هي ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ويسكنها 1.4 مليار نسمة، من المتوقع أن يصبح اقتصاد الصين أكبر اقتصاد في العالم ويتجاوز الاقتصاد الأميركي بحلول عام 2028 حيث بلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي الصيني عام 2021، وفق بيانات صندوق النقد الدولي، نحو 17.7 تريليون دولار مقابل نحو 23.3 تريليون دولار للولايات المتحدة.
ومن المتوقع أن يصل حجم الاقتصاد الصيني إلى 51 تريليون دولار بحلول عام 2040 مقابل 36 تريليون دولار للاقتصاد الأميركي.
الصين أكبر طرف تجاري في العالم، بلغت تبادلاتها التجارية السنوية في الأعوام الماضية نحو 4.233 تريليون دولار بحسب وكالة «بلومبيرغ».
يتسارع في الصين إنشاء المصانع المؤتمتة التي تخلو من العمال، وضاعفت الإنتاجية 3 مرات وحسنت نوعية الإنتاج بنسبة 20 بالمئة.
وتنفرد الصين حالياً في صدارة دول العالم في بناء أحدث وأسرع شبكات القطارات، ولديها أكبر شبكة عالمية للقطارات الفائقة السرعة والمعروفة بـ«القطار الرصاصة» وقد سبقت الصين دول العالم على صعيد الدراسات البيولوجية والجينية، بالسماح بالتعديل الوراثي والجيني لبويضات الأجنة، وسمحت بتجارب التعديل الجيني على البشر.
تقود الصين التحول العالمي لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية والذي يزيد دقة وسرعة تشخيص الحالات المرضية.
الصين أكبر منتج للطاقة الشمسية في العالم، ورصدت ميزانية تبلغ 364 مليار دولار للاستثمار في مختلف مصادر الطاقة المتجددة.
وفي المجال الزراعي نجحت الصين في تطوير نوع من الأرز الذي يمكن زراعته باستخدام مياه البحر المالحة وسيوفر الطعام لمئتي مليون نسمة كما تم تحويل الأراضي الرملية إلى أراض خصبة صالحة للزراعة، وتم تحويل الصحاري إلى واحات خضر.
الصين نجحت ببناء المباني الخضر التي تضم مساحات مزروعة بالأشجار والتي يطلق عليها «الغابات العمودية» بهدف تنقية الهواء والحد من التلوث.
الصين تفوقت في مجال الفضاء وتخطط بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي لبناء أول محطة على سطح القمر.
ولدى الصين أكبر تلسكوب في العالم لدراسة رصد الكون كما حققت الصين هدف استخدام مليار صيني لشبكة الاتصالات المتطورة من الجيل الخامس «جي.5» والتي أحدثت ثورة في عالم الاتصالات وانعكاساتها على جميع الأنشطة الاقتصادية.
الصين تنتج معظم الهواتف العالمية ومكوناتها لكبرى الشركات مثل أبل وسامسونغ، كما اقتحمت صدارة المصنّعين بعد أن انتزعت شركة هواوي المرتبة الثانية في المبيعات العالمية متفوقة على أبل، وتقود الصين العالم في تطبيقات تكنولوجيا الطباعة الثلاثية الأبعاد، وتقترب من كسر هيمنة شركتي بوينغ الأميركية وإيرباص الأوروبية على صناعة الطائرات التجارية.
الصين تصنع ما يصل إلى 90 بالمئة من أجهزة تكنولوجيا المعلومات في العالم وبضمنها ثلاثة أرباع جميع الهواتف الذكية، ما يعني أن الاقتصاد العالمي يعتمد بشكل متزايد على الصين في تصنيع البنية التحتية العالمية لتكنولوجيا المعلومات.
حدد الرئيس الصيني شي جين بينغ هدف أن تكون الصين هي الرائدة العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيات المتقدمة الأخرى بحلول عام 2030.
ويبقى الذكاء الاصطناعي العنوان الأكبر لمعركة الحكومة الصينية لتحقيق التفوق التكنولوجي، وأشارت سلسلة مقالات في صحيفة «فايننشال تايمز» أن الصين تضخ أموالاً هائلة لتحقيق ذلك الهدف وأنها انتزعت الريادة في كثير من المجالات.
على الصعيد العسكري يواصل التفوق الصيني زحفه بخطوات ثابتة، ما دفع «مركز الأمن الأميركي الجديد» في واشنطن للتحذير من مرحلة مقبلة من «العجز الأميركي عن الابتكار» في وقت يستخدم فيه الجيش الصيني الذكاء الاصطناعي للسيطرة على ميدان المعركة، وتواجه الدول الغربية خيارات صعبة وربما مستحيلة، فإيجاد بدائل تكنولوجية محلية أمر غير واقعي.
أما الخيارات الأخرى فتتراوح بين حرمان نفسها من التكنولوجيا والاستثمار الصيني بحجة التهديد المحتمل، أو العثور على طرق لإدارة المخاطر الأمنية، ويقرّ الخبراء الغربيون بعجزهم عن تقدير حجم مخاطر التبعية، وهو ما يجعل صنّاع السياسة أمام تحديات جديدة مختلفة، منها ضغوط شعوبها المتعطشة للبيانات والتي تطالب بتقديم خدمة أسرع في إنترنت وتكنولوجيا الجيل الخامس، التي تضم الصين جميع مورديها الكبار، لكن تلك الجهود تبدو عاجزة عن إبطاء التقدم الصيني في ظل معارضة شركات التكنولوجيا الغربية لمواقف حكومات بلدانها.
ويرى مدير التخطيط في رابطة شركات البرمجيات الأميركية كريستيان ترونكوسو أن القيود الأحادية الجانب ستدمر مستقبل البحوث العلمية الأميركية والأمن القومي من خلال إرباك تلك البحوث والابتكارات الضرورية لاستمرار الانتعاش الاقتصادي.
بالمقابل لدى الصين العديد من المشاريع العالمية مثل «حزام واحد وطريق واحد، بناء مجتمع مصير مشترك للبشرية».
ويهدف مشروع «حزام واحد وطريق واحد» إلى إشراك أكبر عدد ممكن من الدول في الأعمال التجارية الصينية وقد تم استثمار أكثر من 900 مليار دولار في هذا المشروع الاستراتيجي حتى الآن.
من جانب آخر حقق اليوان شيئاً مثيراً للإعجاب في 2023، وهو زيادة سريعة في استخدامه عبر الحدود.
فمنذ أن بدأت الصين في الضغط من أجل تدويل عملتها في 2004، ظلت حصتها في المدفوعات العالمية راكدة، لكن حصتها ارتفعت هذا العام من 1.9 في المئة في كانون الأول 2023 إلى 3.6 في المئة في تشرين الأول الماضي، والصين حريصة على تسوية تجارتها باليوان بسبب المخاوف الجيوسياسية.
أصبح تقليل الاعتماد على الدولار الأميركي أو عملات مجموعة الدول السبع الأخرى، أكثر أهمية بالنسبة إلى الصين، نظراً لتصعيد العقوبات الغربية على روسيا بعد الحرب الأوكرانية والتوترات مع الولايات المتحدة بشأن تايوان.
ختاماً الصين ذاهبة إلى صدارة مستقبل الاقتصاد العالمي في مختلف القطاعات التكنولوجية والاقتصادية؛ من الذكاء الاصطناعي إلى الطاقة المتجددة والبنية التحتية والقطاعات الطبية، وصولاً إلى التكنولوجيا الزراعية وأحدث وسائل النقل في العالم.
وزير وسفير سوري سابق