الابتسامة أجمل شيء في الحياة، وقد تغنّى بها الشعراء والأدباء والفنانون، وكانت العرب تمدح ضحوك السن وتجعله دليلاً على سعة النفس وحلاوة الطبع وكرم السجايا، ونداوة الخاطر وروعة المعشر يحب أن يسأل ويجيب فضلاً عن حبه للعطايا، يقول الشاعر:
تراه إذا ما جئته متهللاً
كأنك تعطيه الذي أنت سائله
والحقيقة أن الإنسان العربي تعلّم الكثير من تاريخه الحضاري المجيد الذي بني على الوسطية والاعتدال في العقائد والعادات والأخلاق والمساواة والمعاشرة والعمل، وغيرها من الأمور التي تهم الإنسان والمجتمع والدولة، والإنسان بطبعه باسم لولا ما يعرض له من طمع وشر وأنانية وتعالٍ وحقد يجعله عابساً، فيكون نشازاً في نغمات الطبيعة الباسمة المنسجمة، وبسبب هذا لا نرى الجمال بمن عبست نفسه، ولا نرى الحقيقة بمن تدنّس قلبه، فكل إنسان يرى الدنيا من خلال عمله وفكره وبواعثه، وما يضمر في عقله، فإن كان عمل هذا الإنسان طيباً والفكر نظيفاً والبواعث طاهرة، كان منظاره الذي يرى به الدنيا نقياً، فرأى الدنيا جميلة كما خلقها اللـه عزّ وجل، وإذا تغبش منظاره واسودَّ زجاجه رأى كل أسودٍ، أسودَ، وهذا ما نراه في وجه بعض المسؤولين، وعاداتنا العربية علّمتنا، لا عبوس مضيف قاتم، ولا قهقهة مستمرة عابثة، لكنه جد وقور، وخفة روح واثقة، واتزان واعتدال، يقول الشاعر العربي أبو تمام:
نفسي فدا أبي علي إنه
صبح المؤمل كوكب المتأمل
فكه يجم الجد أحياناً وقد
ينضى ويهزل عيش من لم يهزل
إن انقباض الوجه العبوس والوجه المبكي علامة على تذمر النفس وغليان الخاطر وتعكر المزاج، يقول أحمد أمين في «فيض الخاطر»: «ليس المبتسمون للحياة أسعد حالاً لأنفسهم فقط، بل هم كذلك أقدر على العمل، وأكثر احتمالاً للمسؤولية، وأصلح لمواجهة الشدائد ومعالجة الصعاب، والإتيان بعظائم الأمور التي تنفعهم وتنفع الناس، لو خيّرت بين مال كثير أو منصب خطير، ونفس راضية باسمة لاخترت الثانية، فما المال مع العبوس؟».
إذاً، يا أهل السياسة والمسؤولين الكبار، يا أهل الأموال ويا أصحاب الشأن، ابتسموا في التعامل مع الناس، بقلب نظيف وأياد بيضاء للفرد والمجتمع، فأكثركم لا يفتح عينيه وقلبه لمباهج الحياة، بل شغله الشاغل جمع المال الحرام على حساب الفقراء والمحرومين من لذة العيش.