جاءت عملية اغتيال نائب رئيس حركة حماس الشهيد صالح العاروري في العاصمة اللبنانية بيروت، لتزيد من دقة المشهد الأمني في المنطقة ولتكون لها الكثير من الارتدادات الإستراتيجية والسياسية على المنطقة والشرق الأوسط مع مواصلة الجيش اليمني المدعوم من الحوثيين تعرضه لسفن الشحن المتجهة إلى كيان الاحتلال عبر البحر الأحمر، وسعيه للمساهمة في الانتقام من اغتيال العاروري، الأمر الذي سيتمثل من جديد في مزيد من التهديد للسلامة البحرية قبالة السواحل اليمنية، حيث يرغب الحوثيون في تقديم الدعم الإستراتيجي والأمني للمقاومة بصورة أكثر على اعتبار أن الاعتداء وقع في لبنان وليس في غزة كما كان في السابق، من دون أن ننسى بأن عملية الاغتيال مثلت أزمة أمنية قوية لحزب اللـه الذي كان يحتضن العاروري على أراضيه وبدء بدوره الانتقام بطريقته لعملية الاغتيال.
ينظر اليمنيون لمنطقة البحر الأحمر باعتبارها منطقة نفوذ إستراتيجي لهم، الأمر الذي يزيد من خطورة الموقف على الصعيد الاقتصادي، وما يجري على أرض الواقع من تعرضهم للسفن التجارية المتجهة إلى كيان الاحتلال قبالة السواحل اليمنية وتهديد حركة الملاحة في البحر الأحمر أدى إلى:
1- تهديد لا يمكن تحمله للاقتصاد المصري الذي يعتمد على قناة السويس باعتبارها أكبر ممرّ ملاحي وأحد أبرز مصادر العملة الصعبة للدولة المصرية.
2- ضربة قوية لحركة التجارة الدولية المتجهة إلى إسرائيل.
3- اتحاد صغير لبعض الدول تقوده الولايات المتحدة، ولم يلق تجاوباً من دول الإقليم، من أجل توجيه ضربات عسكرية لجماعة الحوثيين وطرح فكرة تشكيل قوة بحرية دولية لحماية حركة الملاحة في منطقة البحر الأحمر.
لقد بات من الواضح وفقاً لتصريحات المسؤولين المصريين، مدى التحفظ من توجيه انتقادات للحوثيين أو تحميلهم مسؤولية تأثر حركة الملاحة في القناة وعلى الاقتصاد المصري، بل إن «هيئة قناة السويس» أعلنت في 17 كانون الأول الماضي، أنها «تتابع عن كثب توترات البحر الأحمر ومدى تأثيرها على الحركة الملاحية»، وكشفت الهيئة في بيان وقتها، أن «55 سفينة فقط حوّلت العبور (غيرت مسارها) عبر طريق رأس الرجاء الصالح خلال الفترة من 19 تشرين الثاني الماضي»، مشيرة إلى أنها «نسبة ضئيلة مقارنةً بعبور 2128 سفينة خلال تلك الفترة».
رئيس هيئة القناة الفريق أسامة ربيع، وفي تصريح سابق، ذكر أن مرور السفن عبر القناة يوفر فترة زمنية تتراوح ما بين 9 أيام وأسبوعين للرحلات المتجهة بين آسيا وأوروبا، ومن جهتها أفادت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية بمصر هالة السعيد، عبر موقع الوزارة، إبان الإفصاح عن خطة التنمية لعام 2022 – 2023 أن «قناة السويس يمر من خلالها نحو 10 بالمئة من إجمالي حركة التجارة العالمية، وما يُقارب 25 بالمئة من إجمالي حركة البضائع التي تنقل بالحاويات عبر البحر، و100 بالمئة تقريباً من إجمالي تجارة الحاويات المنقولة بحراً بين آسيا وأوروبا»، وفي ضوء استهداف الحوثيين في البحر الأحمر للسفن الإسرائيلية أو التي تتعامل معها، فإن ثمة تأثيرات سلبية متوقعة على الملاحة بقناة السويس، ويتوقع خبراء أن تزيد تكلفة النقل، وتزيد تكلفة التأمين على البضائع والسفن، ما يعني زيادة أسعار السلع والخدمات، وبالتالي التأثير المباشر على موجة التضخم بالأسواق العالمية، مع التأكيد أن الاقتصاد الإسرائيلي هو المتضرر الأكبر، حيث تجري الاستهدافات للناقلات المرتبطة بتل أبيب على صعيدي الصادرات والواردات.
وفي ضوء ما ألم بالاقتصاد الإسرائيلي من خسائر تتعلق بقطاعات السياحة وانخفاض متوقع لمعدلات النمو، فإن عمليات الحوثيين بالبحر الأحمر أدت إلى تأثيرات سلبية على عمل الموانئ الإسرائيلية، وأصبح بعضها خاوياً تماماً من السفن.
إنه واقع يفرض على إسرائيل والمتعاملين معها، استخدام وسائل نقل أخرى أو ممرات بحرية بعيدة عن البحر الأحمر، ما يعني زيادة تكلفة التجارة، وسط توقعات بأن تتأثر تجارة إسرائيل الخارجية بشكل عام في ضوء ما أسفرت عنه تداعيات عملية «طوفان الأقصى» التي شنتها المقاومة الفلسطينية.
ويمكن هنا الإشارة أيضاً إلى الرسالة التي وجهها عضو المجلس السياسي الأعلى لدى جماعة الحوثي، محمد علي الحوثي، لمصر، في الثالث من الشهر الماضي، بعد استهداف سفينتين قالت الجماعة إنهما إسرائيليتان، وأشار فيها إلى أن «مشروع قناة بن غوريون» المزعوم «بات من الماضي»، على حد قوله.
وعبر صفحته على «إكس»، قال الحوثي: «بفضل الله.. بعد عمليات البحرية اليمنية نصرة لغزة، نقول للإخوة الأشقاء المصريين: حلم الكيان المحتل بشق قناة بن غوريون بات من الماضي»، على حد قوله.
عموماً بات واضحاً للجميع أن القادم يمكن أن يكون سلبياً وواقعه الإستراتيجي سيئ للغاية بالمستقبل، خاصة مع حساسية منطقة البحر الأحمر اقتصادياً وارتباطها بصورة قوية بالوضع الاقتصادي العالمي والدولي، وذلك في حال تطورت الأمور وخرجت من نطاق السيطرة إلى المواجهة المباشرة بين الولايات المتحدة والحوثيين رغم أن ذلك ما يزال مستبعداً حتى اللحظة.
كاتب وصحفي مصري مقيم في لندن