ينخدع كثيرون بهالة التحضر والمدنية التي تحيط الدول (والشركات) العظمى نفسها بها. وها هي الصحافة.. والمصادفة تكشفان الكثير من الممارسات المخجلة أخلاقياً»!
لن أذكر سوى النزر اليسير، فالموضوع طويل وشائك.. لا تفي بحقه مجلدات..
تستورد إيطاليا وإسبانيا أفضل الجلود نصف المدبوغة من بلادنا لقاء بضعة دولارات للقدم الواحد، تقوم لديها بالإعداد النهائي finishing، وتعيد تصديرها سترات أنيقة (ببضعة آلاف الدولارات.. فقط)! علماً بأن الدباغة الأولية تستهلك أطناناً» من المياه، وتفرز مواد ملوثة بل سامة للبيئة.. يعني باختصار، الغرب يمارس علم الخيمياء؛ بتحويل المعادن الخسيسة إلى ذهب!
بقيت تشحن السجائر الغربية لبلادنا سنوات طويلة، دون عبارات التحذير على العلبة بمخاطر التبغ الصحية، في الوقت نفسه طلع علينا مؤخراً مركز أبحاث طبي في فيرمونت بأميركا بتصريح مفاده «تدخين السجائر يقي من مرض الزهايمر»… بقي أن نعرف ممول تلك الأبحاث؟ هو ائتلاف شركتي التبغ (وينستون وسالم)!!!- ياللعجب-..
يُصدر العديد من الأدوية الغربية لدول العالم الثالث؛ قبل اكتمال الدراسات حول صلاحيتها، ومن ثم تضع المرضى المساكين ببلادنا تحت المراقبة لمعرفة الأعراض الجانبية (يعني: فئران تجارب)!
تجبر شركات المفروشات العالمية دولاً في إفريقيا على قطع غابات بأسرها لتأمين الأخشاب بأسعار زهيدة، غير ملقية بالاً للبيئة، يساعدها بضعة حكام أفارقة فاسدون.
لا ننسى هنا شركات الخليوي المتنفذة، وضغوطها على الجهات الفنية الطبية المأجورة، لدحض أي اتهامات بأن ذبذبات الخليوي يمكن أن تؤثر في الدماغ متسببة «بالسرطان»!
لن أسترسل بتعداد تلك الأفعال الشائنة؛ بل سأذكر آخر ما جرى فضح أمره: قصة «الكانولا»!.. هل قرأتم عنها؟
هي زيت تسوقه كندا، مع ادعاء بأنه أفضل زيت طهو بالعالم!
كلنا يعرف بذور القطن، والزيت الناتج عن عصرها، وكذلك زهرة عباد الشمس؛ وجوز الهند؛ والأهم الزيتون وزيته الملكي الفاخر؛ ولكن… هل سمع أحدنا بنبات يدعى «الكانولا»؟!
صبركم علي، ولنسرد الحكاية من بدايتها.
في أثناء الحرب العالمية الثانية؛ مست الحاجة بجيوش الحلفاء مادة لتزييت وتشحيم الآليات الحربية الثقيلة من دبابات وبواخر وقطارات؛ فأنتجت لهم كندا في حينه مادة تتناسب مع الطلب سمتها: الزيت الكندي- Canadian Oil
وهذه ليست قابلة للاستهلاك البشري، لكونها مشبعة بحمض سام يدعى آيروسيك اسيد أو Erucic Acid.
انتهت الحرب منتصف أربعينيات القرن الماضي، وبالتالي انقطع استهلاك تلك المادة، وكان إنتاج كندا منها 35 مليون طن سنوياً، تربح من ورائها مئات المليارات من الدولارات؛ ولم يكن بإمكان اقتصادها التخلي عن ذاك المورد المهم!
قامت الحكومة هناك بتحويل تلك المادة إلى مختبرات جامعاتها؛ لإلغاء ذاك الحمض السام من مكوناتها؛ واشتغل العلماء زهاء ثلاثين عاماً، إلى أن أعلنوا في مقتبل 1977 أنهم توصلوا لتخفيض نسبة ذلك المكون السام (وليس محو أثره كلياً)؛ وطلعوا علينا لاحقاً بمادة للطهو: الزيت الكندي منخفض الأسيد-Canadian Oil low Acid
الذي عرف لاحقاً باسم جديد «كانولا»!
وادعوا كذباً بأنه الأفضل في عالمنا؛ وبدؤوا مع أميركا (تنتج بدورها 300 مليون طن منه سنوياً) بحملة دعائية مركزة مستندة إلى ادعاءات طبية مركزة لتسويق ما سموه (أفضل مادة طهو بالعالم)!
باختصار: مولت شركات الإنتاج الثرية الفاسدة؛ مراكز الأبحاث العلمية الجشعة لإعطاء صك براءة لذلك الزيت المشبوه، في حين أثبت العلم مؤخراً- وبما لا يقبل مجالاً للشك- أن السمون والدهون الطبيعية الحيوانية (لدى تناولها باعتدال) هي الأفضل لاستقلابات الجسم.
وبعد، هل مازلنا بحاجة لسماع المزيد أم إننا وعينا الأمثولة؟