لا يستطيع المهتم بالشأن المحلي السوري الاقتصادي والاجتماعي أن يتجاهل الوضع المعيشي الصعب، وأن يغض النظر عن الفارق الكبير جداً بين رواتب العاملين في القطاع العام والمتقاعدين من جهة، وأسعار السلع الأساسية وأجور الخدمات الحيوية من جهة أخرى.
ولا يجوز أيضاً أن يتجاهل الزيادة الأخيرة التي تقررت في 5 شباط الجاري بالمرسومين التشريعيين-7و8 – على رواتب العاملين والمتقاعدين بنسبة 50 بالمئة من رواتبهم السابقة، وقد رتبت (حسب وزير المالية) 2500 مليار ليرة سورية على الخزينة العامة للدولة سنوياً.
إن هذه الزيادة خطوة إلى الأمام على صعيد زيادة الكتلة النقدية للرواتب في مواجهة ارتفاع الأسعار، وهي بهذا المعنى أفضل من المنح، وكان أكثر من خبير اقتصادي ومنذ خمس سنوات قد نصح بزيادة الرواتب 25 بالمئة كل ستة أشهر، لعلها تلحق نسبياً بالزيادات المتكررة للأسعار، قبل أن تدخل الوزارات والمؤسسات العامة على خط الزيادات المتلاحقة للسلع التي تستوردها وتبيعها أو للخدمات التي تقدمها (كهرباء- هاتف- غاز- سكر، زيت نبات، بيض، لحوم- رز- معلبات- ضرائب ورسوم مختلفة)، وقبل أن تتراخى بعض الوزارات، وتسمح بزيادة أسعار سلع مهمة مثل الدواء الذي حلقت أسعاره عالياً.
ومن المؤسف، أن هذه الأحداث المهمة التي –تعصف- بحياة المواطن السوري، لم تترافق مع خطاب إعلامي رصين يوضح ويوجه ويصحح.
فإذا ما أخذنا الخبز كمثال وهو الآن بأسعاره المدعومة في سورية كالهواء في حياة 12,9 ملايين سوري على الأقل، قالت عنهم الأمم المتحدة إنهم يعانون من انعدام الأمن الغذائي، فلقد تعرض إلى –تخبيص- هائل على وسائل التواصل الاجتماعي، وتم الإيحاء، وكأن زيادة أسعاره ضرورية لزيادة الرواتب، وأن تلك الأسعار المدعومة ستقود إلى حرماننا من القمح…!!
علماً أن مدير عام المؤسسة العامة للحبوب كان قد صرح لجريدة الوطن السورية في 4-2-2024، بأننا استوردنا حتى أيلول من العام الماضي 1,4 مليون طن من القمح وأن المخزون المتوافر لدينا يكفي حتى آخر حزيران القادم، أي إلى حين بدء موسم حصاد القمح في بلادنا.
إنهم يتجاهلون عمداً الاتفاقيات الإستراتيجية بيننا وبين الحليف الروسي الملتزم بتأمين احتياجاتنا من القمح.
علماً أن وزير الزراعة أشار في وقت سابق إلى النجاح في شراء 760 ألف طن من القمح من حصاد صيف العام 2023 من المنتجين السوريين، علماً أن استهلاكنا السنوي من القمح 2,2 ــ 2,4 مليون طن. وهذه الحقائق تؤكد أن زيادة سعر الربطة لا علاقة جوهرية لها بزيادة الرواتب، فهي لا توفر أكثر من 1,130 مليار ليرة من أصل 2500 مليار ليرة، وإنما جرى استغلالها لتمرير زيادة في سعر الخبز، وهذا يعتبر نوعاً من الكبائر في العرف العام. وهي زيادة لحل بعض الصعوبات في صيانة المخابز. وكي لا نرتكب مثل هذا الخطأ فنحن بحاجة إلى خطاب إعلامي قوي يصارح ويبين ويشرح، خطاب مستمر يتبنى القضايا الكبرى.
إن تأمين احتياجات أي زيادة ضرورية في الرواتب والأجور، يجب أن يتم عن طريق استعادة الدولة لدورها الاقتصادي والإنتاجي تحديداً، والتفاصيل كثيرة أهمها بناء وترميم وتشغيل المصانع الكبرى المتوقفة: الجرارات- الإطارات- الأدوية-الغزل والنسيج- الحديد والصلب.. الخ.
تقدم الصناعة قيمة مضافة تثري خزينة الدولة، لكن هذا لا يقلل من أهمية الزراعة بشقيها النباتي والحيواني، ومصادر الدخل الأخرى كالسياحة الخارجية التي تحتاج نهضة إعلامية ترويجية لمنتج سياحي مهم في سورية ومتميز عالمياً.
إن مصادر الدخل تلك أهم بكثير من الحصيلة الهزيلة التي يتم الحصول عليها من متهربي الضرائب الذين يستفيدون من إنفاق حكومي هائل على البنى التحتية الإنتاجية والخدمية (محطات الكهرباء وشبكات نقل الطاقة وبنى المياه والصرف الصحي والطرقات والجسور والسكك الحديدية والمطارات… الخ).
إن القطاع العام الإنتاجي والخدمي القوي هو العمود الفقري للاقتصاد الجيد وأساس تحسين الوضع المعيشي للشعب السوري.