اليوم العالمي للإذاعة.. ودعوة للحفاظ على الذائقة السمعية والثقافية … هموم الناس وملامستها جعلت إذاعة دمشق أكثر قرباً إليهم
| سماء صبري
بدأت الحكاية منذ زمن بعيد قد تكون قرناً وينوف، عندما استرق أسماعنا ذلك الصوت المنساب من الجهاز الخشبي الحنون، الذي سحرنا بكلماته وأغنياته وبرامجه وكأنه يناجينا، أصبح الراديو صديقاً لنا فهو يخاطبنا، يفرح مع فرحنا بأغانيه المبهجة، ويطلق آهات الأشواق والفراق مع أشواق قلوبنا.
النشأة للإذاعة في العالم
هو ملك لوسائل الإعلام، فهو أول وسيلة إعلامية غير مرئية، داعبت أسماعنا بتقديمها لمعلومات وأخبار فنية وثقافية، سياسية وطبية، لطالما سحرتنا أصوات مذيعيه، فالأذن تعشق قبل العين أحياناً، ولطالما رافقتنا برامجه وحكاياته حتى خلنا أنه يتحدث معنا ويفهمنا، فكم يحفز الراديو خيالنا ويغنيه ويسافر بنا مع عوالمه الثرية والغنية، ولو استطعنا السفر عبر الزمن لعرفنا أن فكرة الراديو قد كانت حلماً قديماً، فقد بدأ الحلم في نهاية القرن التاسع عشر مع مجموعة من العلماء الرواد المتخصصين في الإرسال اللاسلكي مثل (أمبير وبل وواط وهيرتز وأوم وفولتا) إلا أن الذي أثبت إمكانية البث من الناحية العلمية كان العالم (ماركوني) الذي أطلق أول بث إذاعي يتكون من شيفرة تلغراف لاسلكي جرى بثه من محطة مؤقتة، كان ماركوني قد أنشأها في عام ألف وثمانمئة وخمسة وتسعين، وقد رافقت جهود ماركوني جهود ميدانية وعملية من العلماء الذين ذكرناهم.
فبدأ بث الموسيقا والحديث الإذاعي عبر الترددات اللاسلكية بشكل تجريبي بين عامي ألف وتسعمئة وخمسة وألف وتسعمئة وستة، ثم تحولت تجارياً منذ عام ألف وتسعمئة وعشرين، وكان أول بث نظامي في كندا بدأ ينتشر في كل من أستراليا وإنكلترا، حيث افتتحت شركة البث البريطانية (bbc)، وانتشرت الإذاعات في باقي الدول الأوروبية واليابان والهند وبقية الدول تباعاً، وكذلك كان بث الراديو في مصر منذ عشرينيات القرن الماضي إذ كانت عبارة عن إذاعات أهلية، أما البث الحكومي فقد بدأ في منتصف الثلاثينيات بالاتفاق مع شركات أجنبية ثم عربت الإذاعة في عام ألف وتسعمئة وسبعة وأربعين.
أما عن إذاعتنا العريقة (إذاعة دمشق) فتعود ولادتها إلى عام ألف وتسعمئة وستة وثلاثين عبر معرض للصناعات الوطنية في مدرسة التجهيز الأولى، حيث أنشئت إذاعة محلية بريادة الأستاذ (نشأت التغلبي).
إذاعة دمشق وبدايتها
إلا أن البداية الرسمية فكانت في الثالث من شباط عام ألف وتسعمئة وسبعة وأربعين، إذ صدح صوت الأمير يحيى الشهابي بتلك الكلمة الساحرة (هنا دمشق).
فكانت إذاعة دمشق، التي تلت إذاعة صوت العرب من القاهرة وكانت ثانية إذاعة في الوطن العربي واستطاعت أن تتبوأ الريادة في الأدب والعلم والثقافة والمنوعات والموسيقا والدراما وكان مديرها المؤسس الشاعر سليم الزركلي، وبرز في إذاعة دمشق الجيل المؤسس من المذيعات والمذيعين والإعلاميات والإعلاميين، نذكر منهم عبلة الخوري عادل خياطة سامي الشمعة يحيى الشهابي خلدون المالح وهناء المحمودي، كذلك برز عدد كبير من المخرجين الإذاعيين نذكر منهم داود يعقوب وخلدون المالح وهشام شربتجي.
استطاعت إذاعة دمشق أن تكون في صدارة الإذاعات من خلال قربها من المستمعين وملامستها لهمومهم ومواكبتها لأذواقهم ومن خلال استقطابها واكتشافها لكبار الفنانين والموسيقيين العرب والسوريين، فكبرت الإذاعة مع أصوات الكبار كصوت السيدة فيروز ووديع الصافي وملحم بركات ووليد توفيق والكثير من الكبار الذين سجلوا بأصواتهم قصص حب لا يمكن أن تنتهي مع مستمعين متذوقين اعتادت أسماعهم الجميل فقط.
مواجهة التحديات
استطاعت الإذاعة عبر أجيال عدة، وعبر تحديات سياسية واجتماعية وثقافية وقيام حروب بين أمم مختلفة أن تكون في صدارة وسائل الإعلام، فكانت ناقلاً مؤثراً وكان جمهورها يزداد نظراً لسهولة التعامل مع المذياع ونظراً لمواكبتها التطور الاجتماعي والعلمي ورغم بروز الفضائيات في تسعينيات القرن المنصرم، وذلك لتطور برامجها وخطابها الإعلامي وتطور طواقمها والقائمين عليها حتى أقيمت المسابقات المحلية والعربية والعالمية لرصد أجمل وأغنى البرامج الإذاعية، حتى أقيم اليوم العالمي للإذاعة بإقرار من الدول الأعضاء في اليونسكو في الثالث عشر من شباط عام ألفين وأحد عشر، ووافقت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة في الرابع عشر من كانون الثاني من عام ألفين وثلاثة عشر.
فكان اليوم العالمي للإذاعة بمشاركة هيئات بث عامة وخاصة وأكاديميات ووكالات إنمائية بقيادة الأكاديمية الإسبانية للإذاعة وبدعم من جهات إعلامية رفيعة كاتحاد إذاعات الدول العربية، واتحاد إذاعات آسيا والمحيط الهادي والاتحاد الإفريقي للبث الإذاعي والاتحاد الإذاعي الأوروبي، والرابطة الدولية للبث الإذاعي ومنظمة الاتصالات الأميركية وهيئة الإذاعة البريطانية والاتحاد الدولي للإذاعة والتلفزيون وغيرها من الهيئات الإعلامية الدولية، وذلك تقديراً للتأثير الاجتماعي والجماهيري للراديو وبغية المحافظة على أذننا من التلوث السمعي والحفاظ على الذائقة السمعية العلمية والثقافية والجمالية.