من إزرع إلى القامشلي محمد نديم رحلة إبداع … صفات وسجايا يقتدي بها المبدعون على مساحة الوطن
| الحسكة- دحام السلطان
الراحل الأديب محمد نديم يعدّ واحداً من رواد الرعيل الأول المؤسس للحركة الأدبية والثقافية، وعلامة ثقافية فارقة في فن القصة عن جيل وجمهور هذا النوع في محافظة الحسكة، وقد تناولته رمزية الكلمات التي عرضها من احتفى بحفل تأبينه، الذي أقامه فرع اتحاد الكتاب العرب في الحسكة وجمعية «صفصاف الخابور» الثقافية، بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لرحيله بأعذب المعاني والخصال الخالدة، وهو الأديب الحصيف الذي أثرى وأثّر، وترك إرثاً أدبياً مفعماً ومكتنزاً بالفعل والعطاء في مختلف جوانب الفنون الأدبية «القصة والمقال والدراسات السياسية والمسرحية والقانونية».
حيث بيّن إبراهيم عواد خلف رئيس فرع اتحاد الكتاب العرب بالحسكة في حديث لـ«الوطن»: إن الأديب الراحل، يعد واحداً من أهم معالم جيل الرعيل الثقافي الأول، وأقدم أعضاء اتحاد الكتاب العرب، وأول من شغل مهمة رئيس فرع اتحاد الكتاب العرب لدورتين متتاليتين، وهو الأديب الذي ولد في بلدة إزرع بمحافظة درعا، قبل انتقال نشأته اللاحقة التي عاش وترعرع ومات فيها بمدينة القامشلي التي أحبها وأحبته، مضيفاً: إن رحل الأديب نديم جسداً، إلا أنه باقٍ في وجدان وذاكرة وضمير أهل الثقافة والأدب، باقٍ من خلال ما تركه من إرث ثمين للمكتبة الأدبية، ولاسيما المجموعات القصصية الثماني، إضافة إلى العدد الكبير من الدراسات والمخطوطات الروائية والمسرحية، وإلى الأرشيف الثرّ الذي جمعه وتناول فيه ما كتبته مختلف الدوريات المحلية والعربية في المجالات السياسية والثقافية والاجتماعية والرياضية الخاصة بمحافظة الحسكة منذ عام 1950 وإلى حين وفاته.
من جانبه أشار الكاتب والباحث أحمد الحسين رئيس مجلس إدارة جمعية «صفصاف الخابور» الثقافية، إلى أن هذه المبادرة تأتي في إطار الوفاء للكوادر الأدبية والثقافية التي أعطت وأجزلت العطاء، وتركت بصمات لا تُمحى ولا تزول، ومنهم القاص الراحل «محمد نديم» الذي رحل عن عمر ناف عن الثمانين عاماً وأثرى المكتبة الأدبية بثماني مجموعات قصصية تناولت مختلف القضايا الاجتماعية في محافظة الحسكة، والتي كان واضحاً فيها الاهتمام بالطبقات الاجتماعية، وشغف الاهتمام بالأرياف والطفولة، ورصد كل هذه القضايا، التي حاول وأراد أن يوثقها لنا بعين القاص وبعين المراقب الاجتماعي.
بدوره لفت القاص محمد باقي محمد، بأن الراحل كان يمتاز بوفائه لفن القصة، ولم يُقْدِم على كتابة غيرها، وبالتالي فإنه وفي هذا الإطار تَنَاديْنا، لكي نقيم تأبيناً يليق برائد من رواد فن القصة القصيرة في محافظة الحسكة، الذي أغنى المكتبة الأدبية بعدد من المجموعات منها، مبيناً أن العمل المهني الذي اشتغل فيه الراحل كمحام، ساعده في ذلك، ولاسيما ما يتعلق بجرائم الشرف وقانون المواريث، لذلك فإن القصص التي قدمها، اقترب فيها كثيراً من الواقع ولامسه إلى درجة كبيرة.
على حين أكدت حفيدة الراحل الشابة لميس ياسر محمد نديم، أن عائلة الراحل تشعر بالغبطة والفرح والسرور والفخر، حين يُشار اليوم إلى استذكار سجايا وخصال جدها في هذه المبادرة التكريمية والاحتفاء بذكرى تأبينه السنوية، التي منحتهم الذكرى الطيبة والعطرة من خلال ما أورثه من إرث أدبي إبداعي، يشار إليه بالبنان من جمهور الأدب والثقافة بالمحافظة، معاهدة رفاق دربه الحفاظ على إرثه الأدبي وما تركه من خصال وسجايا يهتدي بها القراء والمهتمون بالفنون الأدبية.
يُذكر أن الراحل ولد في بلدة إزرع بمحافظة درعا عام 1942 وانتقل إلى مدينة القامشلي بمحافظة الحسكة، وتعلّم ودرس في مدارسها، قبل الحصول على الإجازة في الحقوق من جامعة دمشق، التي اشتغل من خلالها بمهنة المحاماة فترة 37 عاماً.
ظهرت ميوله الأدبية منذ ستينيات القرن الماضي إلى جانب اهتماماته المسرحية «ممثلاً ومخرجاً»، وتناولت قصصه ومقالاته القانونية مختلف الصحف والمجلات السورية ووسائل الإعلام الإذاعية والتلفزيونية منذ ما يزيد على نصف قرن، وكذلك مشاركاته محاضراً وقاصاً في المراكز الثقافية والمنظمات الشعبية.
انتسب عام 1969 إلى اتحاد الكتاب العرب في بدايات تأسيسه، وكان عضواً في جمعية القصة والرواية، ثم أصبح رئيساً لفرع الاتحاد الكتاب العرب في الحسكة خلال فترة عام 1990، ثم أقام في بيته صالوناً أدبياً أطلق عليه اسم «جلسة الأربعاء»، إذ كانت تُعقد في منزله لقاءات أدبية وحوارات ثقافية منوّعة، تضم أدباء مدينة القامشلي ومثقفيها وكانت له نشاطات رياضية واجتماعية في ميادين حماية الطفولة والأحداث، كما كان عضواً في المجلس الوطني الفرعي لذوي الاحتياجات الخاصة.
صدر للراحل مجموعات قصصية «الطفل والمغامرة عام 1979، عام جديد عام 1980، أبطال مجهولون عام 1981، عام خاص 1982، النهايات السعيدة عام 1988، لو ابتسمت زهرة عام 1995، الصراع، التركة».
والراحل كان مثالاً للوفاء والإخلاص طيلة سيرة حياته، وجسد في سلوكه مناقبية رفيعة، كما كان قوي الإرادة، متفائلاً، تمكن من قهر الإعاقة، وانتصر للحياة والحق والقيم الإنسانية.