عام 2024 هو عام الانتخابات الرئاسية الأميركية في 5 تشرين الثاني، والمرجح أن يكون السباق إلى البيت الأبيض بين الرئيس الديمقراطي الحالي جو بايدن والرئيس السابق دونالد ترامب.
سيشتد الصراع بين الحزبين ويزداد تمزق المجتمع الأميركي؛ فالعدوان الإسرائيلي المستمر على غزة والتطور المستقبلي للأزمة الأوكرانية والأوضاع الاقتصادية، تُشكل أسبابا رئيسية وراء أوجه الانقسام الداخلي وعدم اليقين في عام الانتخابات الأميركية التي ستخلف نتائجها تأثيراً كبيراً في الداخل الأميركي وعلى المشهدين الإقليمي والعالمي.
في 25 نيسان 2023، أعلن الرئيس جو بايدن أنه سيترشح لولاية ثانية رغم أرقام استطلاعات الرأي التي تظهر تدهوراً مستمراً في شعبيته، فعمره 81 عاماً، ورهانه، يتمحور حول هدف واحد: هزيمة خصمه المحتمل دونالد ترامب.
وتشير أحدث استطلاعات للرأي لمؤسسة غالوب العالمية، أن نسبة الموافقة الإجمالية للشعب الأميركي على سياسة بايدن بلغت 40 في المئة.
تعيش أميركا تقلبات خارجية وانقسامات داخلية يرى بعض المحللين أنها قد تزعزع النسيج المجتمعي الأميركي وهيكلية النظام في موسم انتخابي حامٍ مشبع بالتجاذبات والتحديات؛ أبرزها، يتمثل في شخص الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي تحدى التوقعات ويتصدّر استطلاعات الرأي رغم القضايا القانونية التي يواجهها في المحاكم الأميركية.
ترامب أول رئيس يتم عزله مرتين في مجلس النواب، وأول رئيس سابق يتم توجيه تهم جنائية بحقه في التاريخ الأميركي، ما جعل النائب الجمهوري السابق عن مجلس فيرجينيا دايفيد رمضان يستبعد أن يصبح ترامب رئيساً للولايات المتحدة، رغم تقدمه في استطلاعات الرأي وفي رأيه أن ولاية جديدة لترامب ستكون خطرة على أميركا، فهو يواجه 91 تهمة جنائية.
من جانب آخر، يكثف الديمقراطيون حملاتهم الداعمة لبايدن، بمعزل عن الأرقام غير المشجعة له في استطلاعات الرأي، وهفواته العلنية المتكررة.
على صعيد التحديات الخارجية؛ الرئيس بايدن، وصل إلى الرئاسة وبجعبته أجندة لمواجهة الصين، ليصطدم بوابل من الأزمات الدولية بدءاً من أوكرانيا، مروراً بإيران، وصولاً إلى غزة.
حرب أوكرانيا بدأت بعد عام تقريباً من وصول بايدن إلى البيت الأبيض، وأمضى معظم ولايته الأولى يواجه تداعيات هذه الحرب داخلياً من خلال التصدي لمعارضة متزايدة في الكونغرس لإقرار التمويل.
ويرى المراقبون أن بايدن لم يضع استراتيجية واضحة، واكتفى بخطوات تكتيكية بالمساعدات وفرض عقوبات على روسيا، وأن المعارضة الداخلية لتمويل الحرب سوف تزداد في الموسم الانتخابي، كما أن استراتيجية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هي الانتظار حتى يصل ترامب إلى الرئاسة، لأنه يرفض دعم كييف، إضافة للتجاذبات السياسية حول أوكرانيا التي زعزعت توازن بايدن، وجاءت حرب إسرائيل على غزة لتظهر دعم الإدارة الأميركية غير المشروط لإسرائيل، بمنزلة «شيك على بياض» لإسرائيل.
وتعالت أصوات الناخبين الشباب والعرب والمسلمين ضد الرئيس الأميركي، مذكرين بأن أصواتهم هي التي أسهمت في فوزه بولايته الأولى، ومحذرين من سحب الدعم له في ولاية ثانية.
المدير التنفيذي لمنظمة «ايمغايج» المعنية بتنسيق جهود الناخبين المسلمين، وائل الزيات، قال: «إن الناخبين الشباب عموماً، يدعمون وقف إطلاق النار ولا يوافقون على السياسة الداعمة لإسرائيل، كذلك الأمر بالنسبة للناخبين العرب والمسلمين.
رئاسة ترامب كانت أسوأ بـ100 مرة من رئاسة بايدن بالنسبة للقضية الفلسطينية، ترامب قطع تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا»، وهو الذي نقل السفارة إلى القدس، والذي اعترف بضم هضبة الجولان، وأعطى شيكاً على بياض لإسرائيل.
انعكاسات حرب غزة ولّدت تحديات من نوع آخر لإدارة بايدن، تمثلت بهجمات فصائل المقاومة الوطنية المتحالفة مع إيران على القوات الأميركية في المنطقة ما أثار حفيظة المنتقدين، وعلى رأسهم كبير الجمهوريين في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ السيناتور جيم ريش الذي وجّه انتقادات لاذعة للسياسة الأميركية تجاه إيران.
في بداية 2023 حلق منطاد صيني في سماء الولايات المتحدة، وتم إسقاطه ليثير أزمة دبلوماسية جديدة بين البلدين، تخطياها جزئياً في لقاء جمع بين رئيسيهما، على هامش قمة «أبيك» في ولاية كاليفورنيا.
ساعد الاجتماع على استئناف قنوات التواصل العسكري التي قطعتها الصين لصد أي توتر سوف ينجم عن عام انتخابي.
علقت صحيفة «لوموند» في افتتاحية بأن «الخطر الذي يهدد بإضعاف جو بايدن، المرشح لإعادة انتخابه في عام 2024، ليس سوى جو بايدن نفسه».
السؤال الذي يطرحه المحللون هو ماذا عن سيادة القانون في دولة مزقتها أصناف التفاوت الاجتماعي؟ ومقبلة على انتخابات حامية تظللها الانقسامات الداخلية وعنتريات المرشحين.
ترامب خلال حملته الانتخابية في ولاية نيو هامبشاير صرح: «نحن ملتزمون بالقضاء على البلطجية اليساريين المتطرفين الذين يعيشون كالحشرات، داخل حدودنا، إنهم يكذبون ويسرقون ويخدعون، وفي الانتخابات على استعداد للقيام بأي شيء، سواء بشكل قانوني أم غير قانوني، لتدمير أميركا والحلم الأميركي».
بالمقابل يخيم العنف السياسي على المشهد فالخطاب الشعبوي له أنصاره في المجتمع الأميركي، خاصة ممن يدافعون عن حق امتلاك أسلحة للدفاع عن النفس والتصدي للتهديدات الداخلية، وهو ما تقف وراءه شركات لوبي الأسلحة.
كما لم يتورع أنصار ترامب عن استخدام العنف ضد خصومهم السياسيين أو ضد مؤسسات الدولة، ومشاهد اقتحام مبنى المجلس النواب الأميركي (كابيتول) في السادس من كانون الثاني 2021 دليل على ذلك، وقد أسهمت في اهتزاز صورة الولايات المتحدة في الخارج.
وفي مقابل نزعة العنف السياسي الداخلي، هناك نزعة تدعو إلى السلمية وتجنب الدعم والمشاركة في الحروب في الخارج، وأبرز مظاهرها، تلك المسيرات الضخمة التي لم تتوقف منذ أشهر داخل الولايات المتحدة وخارجها، احتجاجا على الدعم الهائل الذي تقدمه واشنطن للعدوان الإسرائيلي على غزة.
تحت ضغط الانتخابات، قد يزيد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الجاري والأزمة الأوكرانية من أهمية السياسة الخارجية في الانتخابات.
يرى المحللون أنه إذا وصل ترامب إلى السلطة مرة أخرى، فسوف تخضع السياسات الداخلية والخارجية للولايات المتحدة لتغيرات كبيرة، وسيكون لذلك تأثيرات متفاوتة داخلياً وخارجياً.
كما توضح الأرقام تدني تقييم الأميركيين لأداء بايدن في تعامله مع ملفات البيئة والطاقة والشؤون الخارجية، على حين وافق 32 في المئة فقط من الأميركيين على سياساته الاقتصادية، ويرى مدير التحالف الأميركي شرق أوسطي للديمقراطية، توم حرب، أن الشعب الأميركي يحمّل رئيسه مسؤولية الأزمة الاقتصادية الراهنة كما أن المجتمع الأميركي يراقب أيضاً ما يحدث للنسيج الداخلي من مخاوف أمنية وعائلية.
ومع تراكم الأزمات وتشعبها، يحبس العالم أنفاسه بانتظار تشرين الثاني 2024 موعد الانتخابات الرئاسية التي سترسم مستقبل الولايات المتحدة وتؤثر في الصراعات المزدادة في عالم تتراجع فيه هيمنة أميركا في موسم انتخابي حامٍ تقف فيه أميركا على مشارف عام من الانقسامات الداخلية والأزمات الدولية.
وزير وسفير سوري سابق