قال وزير الصناعة في 11/2/2024 أمام أعضاء مجلس الشعب: إن المنشآت الصناعية- العامة- المتوقفة أو العاملة بشكل جزئي، تحتاج إلى استثمارات ضخمة لإحيائها.
ولم تنقل وكالة «سانا» رد أعضاء المجلس عليه.
وأعتقد أنه لم يأت بجديد وربما كان عليه أن يلفت الانتباه أننا كلما تأخرنا في إحياء تلك المصانع ارتفعت التكاليف.
تملك الدولة السورية 108 مصانع تم تدمير 54 مصنعاً منها على الأقل على يد الإرهاب الأسود المقيت، ومن ضمن تلك المدمرة مصانع كبيرة ومهمة جداً مثل: مصانع الجرارات والبطاريات والسجائر والغزل والنسيج والإلكترونيات والأدوية…. إلخ.
صحيح أن الصناعة السورية لم تكن تمثل أكثر من 14 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي قبل الحرب على سورية، لكن هذا الناتج كان يساوي 60 مليار دولار.
ثانياً، كان لدى سورية موارد مهمة بالدولار، من النفط أولاً (خمسة مليارات دولار سنوياً) وتمت سرقة هذا المورد على يد الولايات المتحدة الأميركية، وحجب عنا المورد الثاني الأثر (خمسة مليارات دولار أيضاً) من السياحة الخارجية التي توقفت بسبب الحرب.
ولهذا فإنه كان من واجب الحكومات المتعاقبة، بدءاً من عام 2016، تاريخ تحرير الجزء الأكبر من محافظة حلب من براثن الإرهاب، وكذلك تحرير أغلب الأراضي التي دنسها ذاك الإرهاب، على امتداد الجغرافيا السورية حتى عام 2018، ومن واجب وزراء الصناعة الذين تعاقبوا على تلك الوزارة، أن يعيدوا بناء ما تهدم وأن يشغلوا بكامل الطاقة المصانع المتضررة ضرراً جزئياً.
لقد بقي خط إنتاج واحد من مصنع الأدوية الحكومي الشهير تاميكو الكائن في غوطة دمشق، وما من شك بأن من نقلوا هذا الخط إلى المناطق الآمنة في تلك الغوطة، هم أبطال في السجل الوطني للتاريخ السوري المعاصر، ومع مرور ست سنوات على تحرير الغوطة كان يجب أن يستعيد هذا المصنع الرائج كامل عافيته، في وقت يشغل فيه القطاع الخاص حالياً أكثر من سبعين مصنعاً للدواء…!!
تضطلع مصانع القطاع العام بدورين مهمين جداً: رفد خزينة الدولة بمال وفير، وطرح سلع حيوية وأساسية بأسعار معيارية تقاس عليها وتصبح مرجعية في التسعير.
ومن المحزن أن نبقى نعتمد على مصنع دوائي حكومي واحد (مدني) وكأننا نشرع أبواب الاحتكار والإذعان بين وقت وآخر لمطالب القطاع الخاص برفع أسعار الأدوية.
في التصريح ذاته لوزير الصناعة ورد أن المصانع الحكومية في عام 2023، باعت من منتجاتها بضائع بـ2772 مليار ليرة سورية وربحت 250 مليار ليرة سورية.
ويا له من ربح متواضع ويا له من بيع بسعر رحيم، إذ لم نسمع بعد بربح أقل من 10 بالمئة من التكلفة…!!
وهذا الربح هو جزء من ربح أكبر تصوغه رواتب العمال وهم بعشرات الآلاف، وما يقتطع من رواتبهم للتأمينات الاجتماعية ومن ضرائب يغذي خزينة الدولة.
وبهذا المعنى فإن إعادة إحياء المصانع المتوقفة واستكمال المصانع التي تعمل جزئياً وتطويرها، هي مهمة وطنية مقدسة غير قابلة للتأجيل وغير مسموح وطنياً بتجاهلها وإهمالها ومن المصانع التي يجب أن يعاد إحياؤها فوراً معمل جرارات حلب (الفرات)، كما أن نغمة أن ذلك يحتاج إلى مبالغ ضخمة، وهذا ما نسمعه في الرد على أسئلة تتعلق بمشروعات حيوية مختلفة، هي نغمة مرفوضة شكلاً ومضموناً، لأنها تعني الجمود والعدم والعوز والفاقة في النهاية.
طبعاً يحتاج الأمر إلى مبالغ طائلة وضخمة، لكن المثل يقول مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة، وفي موروثنا: وقل اعملوا، علماً أن ما ننفقه على إعادة البناء سوف نستعيده تباعاً مع الربح الوفير الذي يميز الصناعة بما يعرف بالقيمة المضافة، وهي قيمة المهارة البشرية والإبداع الإنساني في تحويل المواد الخام الرخيصة إلى سلع غالية الثمن.
لقد صدرت تشريعات رائعة للتشاركية والشركات المساهمة والحوكمة التي مجدوها، وأعتقد أن من واجب الوزراء والمديرين أن يبادروا وأن يدرسوا وأن يطرحوا للاستثمار وأن يناضلوا على هذا الصعيد.
وإذا لم نفعل، ونحن نعاني معيشياً، ونتألم اقتصادياً، فسنكون: كالنوق في البيداء يقتلها الظمأ، والماء فوق ظهورها محمول.