الفنان عبود الأحمد ابن البيئة «الجزرية» واحد من أهم الوجوه الفنية التي خطت طريقها في المسار الصحيح، الذي أثبت حضوره خلال السنوات القليلة الماضية في الأعمال الدرامية التلفزيونية، واستطاع من خلال «الكاريزما» الفنية التي يمتلكها، أن يبني لنفسه مكانة فنية مقنعة لخّصتها عناوين ومضامين الأعمال الفنية التي لعب أدواراً محورية فيها، ولاسيما الرمضانية منها، والتي استطاع الأحمد أن يكوّن له حضور مؤثر فيها، استطاع أن يؤهّله لأن يكون برسم اهتمام من يهمه أمر هذا الفن، وكصورة حقيقية له وللبيئة التي ينتمي إليها لا «مُقلّداً» لغيرها؟ لتعبّر عن هوية المجتمع بلونيه «الجزري- الفراتي» على حد سواء، وهو المجتمع الذي يعتبر بالنسبة إليه.
إطلالة رمضانية
إطلالة الواجهة لظهور الفنان عبود الأحمد في الموسم الرمضاني الحالي، ستكون من خلال عدد من الأعمال التي سيشكل جميعها، حالة استمرار مركبة له وللعمل من خلال شخصية «المتصرّف حكمت باشا» في «العربجي» للمخرج «سيف الدين سبيعي» الذي ظهر فيه في الجزء الأول، خلال شهر رمضان الماضي، واستطاع أن يصنع حالة مُحكمة من الترابط في نوعية العلاقات التجارية والاجتماعية التي برع في توظيفها مع كبار أهل الشام وتجارها، كحالة افتراضية لا علاقة لها بالزمان ولا المكان وإن كانت اللهجة المستخدمة في العمل هي اللهجة الشامية المعتادة؟ وأن يكون في العمل مشرفاً وموكّلاً في توزيع المهام والأدوار بين أقطاب ومحاور العمل الرئيسة، حيث كان يؤثر أن يُسهب في زرع بذور الخلاف والشقاق والنزاع التقليدي فيما بينها، قبل أن يتدخل لحل خلافاتها ولكن من خلال تجيير نتائج تلك الخلافات لمصلحته الشخصية في السر، ومن ثم لمصلحة دولته العليّة «زيفاً» في العلن؟ وليلعب الدور ذاته في الجزء الثاني الذي يُعرض حالياً بعد تطوير أداء الشخصية وتمدد فعلها.
اعتذار عن أعمال
حيث يعتبر الأحمد أن هذا العمل كان بيضة القبان لديه، وآثر فيه تفرغاً كاملاً لأداء الدور كما هو على الرغم من العروض الفنية التي انهالت عليه، لأداء أدوار مهمة في أعمال مهمة مثل «أولاد بديعة» للمخرجة رشا شربتجي، و«الوشم» وعمل ثالث اعتذر عنه أيضاً لمشاركته في مهرجان «الشارقة الصحراوي» المسرحي، التي ستتطور وتتنامى حالة الصراعات هذه، بعد ظهور ابنته ودخولها في صلب العمل، التي بدورها ستشاطره الانتهازية ذاتها وتتمم إكمالها لسلك طريق الوصول إلى تعزيز حالة الأنا المقيتة بطريقة مبتذلة ورخيصة، تماشياً مع خصوصية الدور المنوط بأداء المتصرف الذي برع باللعب على الجميع بما فيها دولته العليّة؟ على الرغم من إيهامها زوراً وبهتاناً بأن مصلحتها هي الأهم، وينبغي أن تكون فوق الجميع؟
ظهور في مال القبان
كما سيظهر الأحمد في «مال القبّان» للمخرج «سيف الدين سبيعي»، الذي تم تصويره في العام الماضي ولم يُعرض آنذاك، وسيلعب فيه دور «المزارع الديري» ابن المدينة، الذي سيقوم بجلب بضاعته من الخضراوات إلى سوق الهال، والتي من خلالها يتعرض للابتزاز والخداع من كبار التجار، وخاصة حينما يتعلق الأمر بموضوع التضليل والغش والتلاعب بأوزان الحمولة، التي بها سيبدأ الصراع والمنافسة بينه وبين تجار السوق لإثبات حقه وعدم السكوت على ذلك، ولاسيما من خلال ذروة المناحرة والتحدي الأكبر بينه وبين أكبر التجار في السوق، «الحاج نعمان» الذي يؤدي الدور فيه النجم «بسام كوسا»، كما سيكون له بعض الأدوار أيضاً، ضيف شرف في بعض الأعمال الأخرى، كعمل «اغمض عينيك» للمخرج مؤمن الملا، و«صديقات» للمخرج محمد زهير رجب، و«المهرج» للمخرجة رشا شربتجي.
لم يجد ضالته
ولكن على الرغم من الإطلالة الفنية التي حققت للأحمد هذا الحضور والألق، إلا أنه يؤكد إلى الآن أنه لم يجد ضالته الأساسية بعد في اللون الذي يتوق إليه ويشعر بأنه سيجد نفسه فيه ومن خلاله، ومن خلال الأعمال الفنية التي تُظهر البيئة «البدوية- الريفية» التي ينبغي أن تعلن ظهورها في الأعمال المشار إليها بشكل صرف لا على الهامش، وهي البيئة التي ولد ونشأ وتربّى فيها، وشكّل في عمله المسرحي حالة استرجاع وإعادة نظر وانقلاباً داخلياً لدى كل من تابع عمله، فقد كانت النظرة مقصورة على أن الأعمال الدرامية السورية مختزلة بأعمال البيئة الشامية؟ وأن مرجع تلك البيئة هو «باب الحارة» وجميعها يتناول ويعالج حالة واحدة مماثلة، من حيث تفاصيل الأشخاص وحيثيات الزمان والمكان؟ في حين أن البادية تشكل أكثر من نصف مساحة سورية، وهي في معظم المحافظات دون استثناء، وأن البيئة التي تنتمي إليها هي بيئة «بِكِر» والأعمال المكتوبة التي تعالجها كثيرة والممثلين كُثر، إلا أنها لا تزال خارج دائرة النظر؟ لأن الفيصل في ذلك لاستقطاب تلك النصوص «البدوية- الريفية» الصرفة، يعود إلى شركات الإنتاج التي لا تزال بعيدة كل البعد عن تبنيها والعمل عليها لأسباب غير معلنة؟ على الرغم من أنني تحدثت إلى نقيب الفنانين الراحل زهير رمضان بهذا الخصوص، وقال لي يومها بأنه لا يفرض على شركات الإنتاج كي تتبنى أعمالنا؟ مضيفاً: إنه التقى أيضاً الكاتب ممدوح حمادة وتحدث إليه بذات الوجع، وأكد حمادة أنه كتب ستة أعمال تتحدث عن البيئة «البدوية- الريفية» السورية على غرار «ضيعة ضايعة» و«الخربة» ومنها ما يتحدث عن البيئة الجزرية، إلا أنها لم تر النور بعد لذات الأسباب؟