مثلث خسارة هولاند .. الإرهاب، الاقتصاد، البطالة
| د. قحطان السيوفي
أدت الهجمات الإرهابية، التي تعرضت لها باريس، إلى المزيد من تراجع شعبية الرئيس الفرنسي هولاند… رغم محاولات هذا الأخير لتجديد نفسه كزعيم حرب، في إطار مساعيه للفوز بولاية ثانية في انتخابات العام المقبل 2017. ويبدو أن الإرهاب، والاقتصاد الفرنسي الراكد والضعيف… وتفاقم البطالة… كلها مشاكل حادة أدت إلى تهميش صورة هولاند في نظر الناخب الفرنسي… آلاف الشباب الفرنسيين ينضمون لطوابير الحصول على إعانات البطالة في مراكز العمل ووفقا لمركز (فرانس إستراتيجي)، وهو مؤسسة بحثية ممولة من الحكومة الفرنسية هنالك على الأقل واحد من كل أربعة أشخاص أعمارهم أقل من 25 عاما عاطلون عن العمل في فرنسا..
يشعر العاطلون عن العمل بخيبة الأمل من الرئيس فرانسوا هولاند؛ الذي أيدوه في الانتخابات السابقة، لكنه خذلهم… وبعد 15 شهراً سيقرر هؤلاء وغيرهم من الفرنسيين ما إذا كان هولاند سيبقى في منصبه لولاية ثانية.
إن إعادة تجديد هولاند نفسه على أنه «زعيم حرب» بعد الهجمات التي وقعت في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي في باريس، لم تغير صورته بنظر الناخبين مع سجله الاقتصادي السيئ وفشله في الوفاء بوعده بخفض معدل البطالة البالغة البالغ (10.2%) في خطاب له عشية العام الجديد، تعهد هولاند بإصلاح ما سماه «الحالة الطارئة الاقتصادية والاجتماعية»، معلنا أن البطالة ستكون «أولى أولوياته». وهذا يشكل اعترافاً ضمنيا بفشله في القيام بتعهداته السابقة…
بالمقابل ارتفع عدد العاطلين عن العمل 600 ألف منذ نيسان (أبريل) لعام 2012، قبل شهر من انتخابه، ليصل إلى 3.8 ملايين شخص في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي.. على الرغم من الهجمات الإرهابية التي أودت بحياة 130 شخصاً في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، تبقى البطالة الأولوية الأهم لدى الناخبين، وفقاً لاستطلاعات الرأي.
معظم الاستطلاعات تتنبأ بحدوث الطعن في شرعية هولاند كمرشح لليسار.
ويطالب المفكرون من ذوي الميول اليسارية بمن فيهم (توماس بيكيتي)، الخبير الاقتصادي الفرنسي، بإجراء انتخابات تمهيدية لاختيار مرشح من أجل توحيد اليسار بديلاً من هولاند يقول بيكيتي: (مضت أربع سنوات وليست هنالك أي سياسة اقتصادية واضحة أو أي خطة واضحة. إن الحكومة ترتجل باستمرار…). هناك مئات المصانع التي يرغب أصحابها بإغلاقها أو نقلها لدول أخرى، وهؤلاء يرون أن الإصلاحات التي روج لها وأجراها هولاند جاءت (رخوة وغير فاعلة) قبل هجمات كانون الثاني (يناير) الماضية على صحيفة تشارلي إيبدو الباريسية تراجع التأييد لهولاند إلى مستوى منخفض بلغت نسبته 12 في المئة. في أعقاب ذلك، اضطر هولاند لاتخاذ إجراءات لمواجهة الإرهاب المحلي.
في العام الماضي، فرض قانونا يعزز صلاحيات التطفل لوكالات الاستخبارات الفرنسية، وأعلن حالة الطوارئ وشن حملة دعائية استعراضية لمكافحة الإرهاب. وهو يسعى الآن لتعديل الدستور من أجل توسيع نطاق حالة الطوارئ، وهي حالة فُرضت في عام 1955 خلال ثورة الجزائر.
العديد من الاشتراكيين (نواب، وغيرهم…) شجبوا محاولة هولاند التقرب من اليمين وقطاع الأعمال من خلال الإعفاءات الضريبية البالغة قيمتها 41 مليار يورو للشركات على مدى ثلاث سنوات.
ويصر هؤلاء على أن هذا خطأ وأن هنالك حاجة إلى اتباع نهج أكثر ولاءً للدولة بدلاً من استرضاء رجال الأعمال، لأسباب انتخابية، على حساب الخزينة العامة…
لقد تدهور الوضع الاقتصادي في فرنسا خلال السنوات الثلاث أو الأربع الماضية رغم بعض الإجراءات… ويؤكد المراقبون الاقتصاديون والسياسيون أن مثل هذه الإجراءات والتدابير ذات الطابع الدعائي الانتخابي، هنا وهناك، ليس لها تأثير كبير على أرض الواقع.
يلاحظ تحول كبير لأصوات الناخبين في الانتخابات الإقليمية الفرنسية كانون الأول (2015) في العديد من المناطق ذات الميول اليسارية وذلك لمصلحة اليمين…. حتى في بعض المناطق التي حاز فيها هولاند على ثلثي أصوات الجولة الثانية في الانتخابات الرئاسية لعام 2012.
باختصار فإن سياسة هولاند المتحالفة مع دول شرق أوسطية داعمة للإرهاب الذي ارتد على فرنسا… إضافة للركود الاقتصادي، وتفاقم البطالة… كل ذلك يضع مستقبل هولاند في الانتخابات المقبلة على (كف عفريت) كما يقال.