«فانية وتتبدد»… الإعلام السينمائي ودوره في إيصال الحقائق من سورية … نجدة أنزور: السينما السورية جزء من الذاكرة
| عامر فؤاد عامر – تصوير: طارق السعدوني
لا يتجسد الإرهاب بشخص ما، ولا يمكن بانتهاء حياة الشخص الخادم للإرهاب أن ينتهي الإرهاب بحدّ ذاته، كيف يمكن للإنسان أن يصبح سلعة تخدم الفكر الإرهابي؟ وأين يمكن للوعي الخاص بنا كسوريين توظيفه بطريقة ندافع به عن أنفسنا وعن الأجيال القادمة؟ أسئلة كثيرة تمحور حولها فيلم «فانية وتتبدد» في عرضه في دار الأوبرا السوريّة وفي مؤتمر الفيلم اللذين حصلا مؤخراً- برعاية وزارة الثقافة والمؤسسة العامة للسينما وبالتعاون مع شركة سيريتل وإذاعة نينار وشركة أنزور للإنتاج الفني- وفي جوانب كثيرة مثل مناقشة المشاهد والتفصيلات ودور المرأة والحالة التوثيقيّة لما جرى في المنطقة بين سورية والعراق ومنافسات الإرهابيين بين بعضهم وما صوره الفيلم من مشاهد وحول وجود الجيش العربي السوري، ومعاناة التصوير في الأمكنة التي اختيرت وفي الشخصيّات المنتقاة بين ممثلين وكومبارس، والعديد العديد من النقاط المهمّة كانت وإليكم شيئاً منها:
خير من يعبر أهل الأرض
مخرج فيلم «فانية وتتبدد» نجدة أنزور وفي انضمامه لمجموعة أسماء المخرجين السينمائيين السوريين الذين أخرجوا أفلاماً من إنتاج المؤسسة العامة للسينما تحدّث وأجاب عن نقاط عديدة ففي تسويق الفيلم ذكر: «نحاول تسويق الفيلم عبر ترجمته، فقد تمّ الترجمة لـ9 لغات وسيوزع عالمياً، واليوم يحارب العالم داعش لأنه يمثل الفكر الإرهابي، ويشكل خطراً على الإنسانية جمعاء، وهذا ما سيجعل لفيلم «فانية وتتبدد» وسيلته للانتشار الأوسع، على الرغم من أن بعض الدول من الممكن أن تتحفظ على بعض اللقطات فيه. لكن بشكل عام الفيلم يستطيع السعي نحو العالميّة». وفي تصريح خاص لـ«الوطن» عن الحالة التوثيقيّة ومداها في هذا الفيلم وعن الفيلم الأميركي صاحب الصدارة عالميّاً، يجيب: «خير من يعبّر عن الأزمة هم أهل أرضنا ومنطقتنا من كتاب، وصحفيين، وفنانين سوريين، وعلينا الانتباه إلى أن الفيلم الأميركي لا يعبّر عما حصل في أرضنا، هم سيستغلون الكثير من الأحداث لمصلحة التشويه، والاستثمار السيئ، ولمصلحتهم. واليوم ننتبه إلى أن السينما السورية هي جزء مهم من الذاكرة السورية وسعيد بنهضة الأفلام الحديثة والسينما القصيرة فهذا مهم لمتابعة طريقة تفكيرهم ودعمهم ومنحهم كل الإمكانات المتوافرة، لتحقيق ما يرون فهم شاهد عيان على ما يحصل. لا أحب المباشرة في الفيلم لكن هذا الفيلم لا بدّ من المباشرة فيه، فالحوادث التي قدمها موجودة بقوّة على مساحات واسعة من أراضينا، والسوري هو الوحيد الذي يستطيع التعبير عن هذه المأساة بشكل فني وأدبي».
داعش الفكر أخطر من الفعل
الكاتبة «ديانا كمال الدين» التي قدّمت سيناريو الفيلم تحدّثت عن مجموعة كبيرة من النقاط ومنها اخترنا حول فكرة الإرهاب، فتقول: داعش الفكرة أخطر من داعش في أفعالها؛ فداعش تبرر أفعالها ووجودها من خلال النص القرآني والسنة النبويّة، وفي الفيلم نحاول التركيز على هذه الفكرة، وكيف يجتزئون النص، لتحويله لمصلحتهم، فهم لا يأخذون النص بالكامل، بل مقاطع منه، ويؤوّلونه، أو ربما يبعدونه عن سياقه التاريخي ليتناسب مع مصلحتهم في السعي وراء السلطة. نقطة الضعف لدى داعش هي ركضهم وراء الجنس والمال والسلطة وهذا ما تجسده شخصية الأمير الداعشي في الفيلم». أمّا عن المرأة السوريّة ودورها في الحلّ فتضيف: «تمكين المرأة السورية هو جزء كبير من الحلّ في وطننا وهذا ما عبرت عنه شخصيات نسائية في الفيلم وهناك نموذج في الفيلم لدينا عن امرأة تمتلك من الذكاء ما يكفي لمواجهة الأمير الداعشي وهي من واجهته فعلاً. فالمرأة تستطيع أن تحلّ الأمور إذا بادرت واستطاعت المطالبة بحقوقها من دون الانسياق وراء الرجل والمطالبة بحقها من ورائه.
أفلامنا تحمل حديث الأزمة
مدير المؤسسة العامة للسينما «محمد الأحمد» وفي حديث عن هذه التجربة وأهمية صناعة السينما في هذه المرحلة يشير: «السنوات الخمس التي مررنا فيها كان لا بد للمؤسسة العامة للسينما أن تغطي ما دار على أرضنا، فلا بدّ من وجود أجيال قادمة من حقها الاطلاع على ما حدث في سورية، وقد اتهمت السينما السورية سابقاً بالانغلاق على ذاتها، أمّا اليوم فأفلامنا تحمل حديثاً عن الأزمة، وتحاكي الواقع، ففي فيلم «فانية وتتبدد» نحاول تقديم الواقع، مع ملاحظة أنه لا يحمل من القسوة المنتشرة عبر مواقع الإنترنت إلا نسبة ضئيلة، فالفيلم ذهب لتوصيف نهج، ولتعرية فكر تكفيري، ولم يعد ضمن الإطار السوري بل يهدد دولاً كبيرة».
الفنان «فايز قزق» بطل الفيلم الذي جسّد فيه دور الأمير الداعشي «أبو الوليد» وبعد عودته من السفر من السويد وانضمامه الفوري للمؤتمر تحدّث عن مجموعة من الأفكار للمقارنة بين ما يحصل في الداخل السوري وما يصل من صور مزورة إلى أوروبا والعالم الخارجي وعن دور الإعلام في إيصال الحقائق والسينما التي لا بدّ من دورها القوي في ذلك، وأضاف أيضاً: «ستكون المأساة التي قدّمتها داعش في منطقتنا كنزاً مهماً لهوليوود الأميركيّة، وسنرى عبر عشرات السنوات كيف ستستخدم الأفلام الأميركيّة هذه المادّة بعد زوال المأساة عن أرضنا، فهناك استثمار لا إنساني سيكون». أمّا مشهد الدخول لمخدعه والتعامل مع الزوجة الفتاة الصغيرة فعلّق عليه: «مشهد المخدع كان صعباً جداً، فعلي إيقاف «نور» عن البكاء الذي كانت تقوم به بحُرقة، وليس تمثيلاً، وهذا من باب الإنسانية، وفي الوقت نفسه كـ«أبو الوليد» لا بدّ لها من البكاء بسببه لأن المشهد قاس ومؤلم، ولا يتقبله العقل ولا العاطفة. وهذا الموقف كان مؤلماً وصعباً جداً».
أوروبا والقرون الوسطى
وأيضاً من الأفكار التي تحدّث عنها: «قد يرى المشاهد في أوروبا أن الفيلم يجسد ما حصل في أوروبا في القرون الوسطى، فالأميّة والجهل وتغييب العلم والمرض الاجتماعي هي ما ولّد الداعشية، والفيلم سيلقى رواجه في الغرب، أمّا في أميركا فمن الصعب انتشاره لأن فيلماً كهذا لا يمكن عرضه بسهولة على حين في أوروبا من الممكن جداً بالتالي هناك رغبة في معرفة ما يحصل لدينا وسيكون للفيلم صدى كبير فلا رقابة أميركية على الإعلام».
في نهاية الفيلم حلقة مقصودة فقد أحكم طاقم العمل في فيلم «فانية وتتبدد» الخناق على الأمير الداعشي الذي يمثّل كلّ داعشي بفكره المتخلف فهو إن حقق جرائمه ونجا فسيكون معتزاً بإنجازاته وبمكاسبه في المال والنساء والسيطرة على الأراضي، وإن مات فشهادته ليست الشهادة الصوفيّة والوطنيّة بل هي معبر للحور العين، وبالتالي في نهاية الفيلم تمّ حرمان الداعشي من غايته في الأمرين فقد بقي حيّاً ولم ينل قدمي الفتاة تحرقاً وشوقاً لممارسة الجنس ولم يلق حتفه ليسير بقناعته التضليليّة التي تربى عليها.