«المتعوس في ديار خايب الرجا»
| منذر عيد
مع انسحاب الرئيس الأميركي جو بايدن من سباق الانتخابات الرئاسية المقررة في الخامس من تشرين الثاني المقبل، وعدم رجحان كفة أي من المتنافسين الجديدين، كامالا هاريس ودونالد ترامب، في الدخول إلى البيت الأبيض، فإن الحيرة تعصف برئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على أي كتف سوف يبكي، ولمن سيشكو همومه، وما يعصف بكيانه من انقسامات داخلية، وهزائم على الصعيد العسكري على جبهات غزة ولبنان واليمن.
من خلال معطيات الأحداث ومفرزات الواقع، فإن وجود نتنياهو في واشنطن التي بدأ زيارة إليها أمس، لن يتجاوز حد الزيارة البروتوكولية والتقاط الصور مع رئيس متعب، بالكاد يتذكر من هو ضيفه، أو آخر متأرجح المصير بإمكانية أن يكون رئيساً، وجل ما يمكن لنتنياهو الحصول عليه في الولايات المتحدة الأميركية المرتبكة في خياراتها الداخلية والغارقة في فوضى سياسية غير مسبوقة، أن يعود بكم هائل من التصفيق في الكونغرس، بعد أن يستعرض في كلمة له جملة من الأكاذيب والأوهام، بعد أن يلبسها ثوب «النصر» على المقاومة، ويعود بجملة من التأكيدات على وحدة الحال بين أميركا والكيان ودعم الأول للثاني، تأكيدات لا يشكك أي شخص، حتى من أعداء الكيان الصهيوني، بأنها تراجعت أو يمكن أن تتراجع في القريب المنظور، هذه التوقعات هي في أفضل الأحوال التي يمكن أن ترافق نتنياهو خلال وجوده في واشنطن، لكن ماذا لو؟
في ظل أجواء سياسية مشحونة في الأوساط الأميركية، وظروف ليست طبيعية في عموم الولايات المتحدة، فإن كل الاحتمالات مفتوحة على الحدوث، وماذا لو جرت الأمور بخلاف توقعات الكثيرين، فحتى ساعة كتابة هذه الكلمات لم يتلق نتنياهو رداً على طلبه الذي تقدم به عبر مكتبه في القدس المُحتلّة للقاء ترامب، وإن حصل فعلى أي شيء سيراهن نتنياهو من خلال اللقاء، وهو كمن يشتري سمكاً في ماء، بمعنى أن وصول ترامب إلى سدة الرئاسة ليس بمتناول اليد، للرهان على ما سيقدم خلال اللقاء من وعود إن تم، وإن كانت هناك من وعود.
في المقلب الآخر، فإن لقاء نتنياهو مع الرئيس بايدن، ربما لن يكون كما يشتهي الأول، وهو ممن عمل طوال تسعة أشهر، عمر العدوان على غزة، في إذلال الثاني، ورفضه تنفيذ أي رأي يقدمه، بل إن اللقاء قد يكون فرصة لبايدن لرد الصاع صاعين لنتنياهو، خاصة أنه لا يملك شيئاً يخسره بعد خروجه من السباق الرئاسي، وهذا ما سيمكنه من إسماع رئيس وزراء الكيان ما لا يود الأخير سماعه، وتحديداً بشأن صفقة تبادل الأسرى، الأمر الذي أكده رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك حين قال: إن بايدن «ليس بطة عرجاء فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، فهو أكثر استقلالية، إذ لا يتعين عليه أن يأخذ في الاعتبار أي تأثير في الناخبين».
رغم أمانينا بحصول ذلك، إلا أننا لا نراهن على أن تقوم الإدارة الأميركية باعتقال نتنياهو، أو إبلاغه بتخليها عن دعم الكيان، لكننا نؤكد أن توقيت الزيارة ليس في مصلحة رئيس وزراء الكيان، وأنه سيعود بغلّة، ربما تكون أقل الغلال التي عاد بها هو أو من سبقه خلال زيارتهم إلى واشنطن، المنشغلة في همومها، فالواقع يقول لا يمكن لغريق أن ينقذ غريقاً، كما لا يمكن لمن يتخبط في سكرات الانقسام، أن يقدم النصيحة لنتنياهو حول كيفية حل الانقسامات السياسية داخل كيانه، وتجاوز الخلافات حول إدارة الحرب في غزة، لتؤكد صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية أن «الزلزال الذي سببه الرئيس الأميركي بانسحابه من السباق الانتخابي»، يجعل زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى الولايات المتحدة هامشية وذات تداعيات سلبية.
كثيرة هي التأويلات والتوقعات بما سينتج عن زيارة نتنياهو إلى واشنطن، خاصة في ظل ضبابية المشهد السياسي الأميركي وارتباكه، ومن المؤكد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يعي جيداً أن ثمة حسابات كثيرة للإدارة الأميركية القادمة، وأن دعمها للكيان وإن كان أولوية دائمة، إلا أنه ليس الملف الوحيد المهم بالنسبة لها، فهناك العلاقات مع الدول العربية، ومسألة أوكرانيا، والصين وإيران، والاهم من هذا وذاك حفاظها على مصالحها في الشرق الأوسط، وهذا كله سوف يكون في حسابات أي مسؤول يقابله نتنياهو.