سَمِيِّي العزيز الحسن
| حسن م. يوسف
بعد أن انتهيت من كتابة مقال الأسبوع الماضي علمت أن سميِّي العزيز كاتب السيناريو والروائي المبدع الأصيل حسن سامي يوسف، قد ارتقى للقاء وجه ربه، وددت كثيراً أن أكتب عن الزميل والصديق المبدع الجميل الراحل الحسن لكن التزامي مواعيد مهمة لم يسمح لي بذلك. أعترف أنني لم أكن صديقاً مقرباً من سميِّي العزيز حسن سامي يوسف، لأننا لم نكن نلتقي إلا في المناسبات العامة، لكنني والحق يقال شعرت كما لو أنني قد فقدت عضواً من جسدي، عندما سمعت نبأ رحيله، فالرجل كان شريكي في تعليم السيناريو لطلاب دبلوم علوم السينما وفنونها، وقد أنار روحي وأرواح ملايين السوريين والعرب برواياته وأعماله الدرامية الجميلة والمهمة.
جاء في كتاب (جمهرة الأمثال) لأبي هلال العسكري: «لا تعرف أخاك حتى تغضبه، أو تسافر معه. وسُمِّي السفر سفراً، لأنه يسفر عن الأخلاق، أي يكشف عنها. « والحق أنني رافقت فقيد الأدب والفن حسن سامي يوسف في سفرتين، الأولى إلى الهند والثانية إلى مصر العربية. وأشهد أنه كان في السفرتين عفيف النفس، كريم اليد، خفيف الظل، عميق الفكر، واسع الأفق.
ولد سميِّي العزيز الحسن في لوبية بفلسطين، وتلقى تعليمه الأساسي في مدارس الأونروا، حيث التقى في مدرسة «دير ياسين» الدمشقية بمعلمه غسان كنفاني الكاتب والمناضل الشهيد الذي غرس في نفسه حباً عميقاً لفلسطين، كان يقول له «تذكر يا حسن دائماً. واحد زائد واحد يساوي فلسطين». والحق أن الحسن لم ينس أبداً هذه المعادلة في رواياته ولا في أعماله الدرامية فقد كانت فلسطين حاضرة دائماً في رؤياه، إما في مقدمة المشهد وإما في ظلاله العميقة. لذا يحز في النفس أن هذا السيناريست الخلاق الذي حصد العديد من الجوائز، منها «جائزة محمد بن راشد للدراما العربية، وجائزة التلفزيون السوري لأفضل سيناريو، وجائزة أفضل سيناريو في مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون». وكان اسمه يعتبر دائماً ضمانة لنجاح أي مسلسل تلفزيوني. لكنه حوصر في آخر سنوات حياته من منتجي الدراما الذين أرادوا منه أن يساير السوق، وأن يكتب دراما الدستوبيا التي تغالي في الإثارة والتركيز على الجانب المرير من الواقع والغوص في نسيج المجتمع المنحل والمخيف، لكن الحسن رفض الانصياع قائلاً: «لن أكتب للتلفزيون يوماً شيئاً لا يشبهُنا، حتى لو أصبحتُ عاطلاً عن العمل». لذا لم يظهر الرجل في المشهد الثقافي منذ عام 2017، رغم أنه كتب في هذه الفترة رواية «على رصيف العمر»، كما كتب مسلسلين تلفزيونيين، الأول بعنوان (الأمير الأحمر) عن صائد الموساد علي حسن سلامة، وكان الحسن يبني عليه آمالاً كبيرة، والثاني مأخوذ عن رواية (على رصيف العمر). لكن المسلسلين بقيا في الأدراج رغم تبنيهما من مخرجين بارزين هما جود سعيد، وسمير حسين، إلا أنهما لم ينفذا. وقد واجه أحد المنتجين الحسن بقوله: «لا يوجد أكشن في العمل، في حين تتطلب السوق اليوم هذا الأكشن».
«كان الحسن لروحه السلام رجلاً بالغ التهذيب، فقد أعلن غير مرة أنه يحترم زملاءه في المهنة الذين يغالون في الإثارة »… فلكل واحد منهم الحق المطلق في أن يكتب ما يشاء». لكنه أعلن حقيقته عندما قال: «أنا كاتبٌ مغروسٌ في وحل الواقع، ولا أستطيع أن أصنع مسلسلاً عالقاً في الفراغ، وغيرَ محدّد المعالم، أكان من حيث الزمان أم المكان أو الشخوص، أو من حيثُ الهمّ قبل هذا كله، حتى لو أصبحت عاطلا من العمل قولاً وفعلاً» وقد مات سميي الحسن مخذولاً مقهوراً، فلروحه السلام.