استسهال زيادة الأسعار
| ميشيل خياط
انتصر فقراء دمشق وبالتالي كل سورية، بسقوط اقتراح رفع تسعيرة ميكروباصات «سرافيس» وباصات النقل الداخلي من ألف إلى ألف وخمسمئة ليرة سورية، «جريدة الوطن السورية-19/9/2024» وكانت نقلت عن عضو في المكتب التنفيذي لمحافظة مدينة دمشق أن لجنة تحديد الأسعار، رفضت رفع تعرفة وسائط النقل العامة وأبقت عليها ألف ليرة.
جرت العادة بعد رفع الأسعار في دمشق أن ترتفع في كل المحافظات.
القضية كبيرة جداً، فالحديث يدور حول ما يقرب من خمسين ألف ميكروباص وعدة آلاف من باصات النقل «العام»، العامة والخاصة.
إن هذين الرقمين يعنيان أن هذا الأسطول الضخم ينقل يومياً ملايين الناس داخل المدن ومن الأرياف إلى المدن وبالعكس.
هذا النقل هو عملياً، الحياة النشطة للشعب.
يستخدم الناس وسائل النقل العامة للوصول إلى أماكن عملهم وشراء احتياجاتهم وللاستشفاء، والتواصل الاجتماعي، وهذه الفعاليات حيوية جداً وهي العمود الفقري للحياة.
كيف سقط الاقتراح، وكان هناك من يعتقد أنه سيمر بيسر، وسط الظروف العصيبة التي عصفت بحركة النقل العام في دمشق وباقي المحافظات مؤخراً.
من أسقط القرار…؟ الجواب: الناس عبر استنكارهم الشديد لتصرفات السائقين الابتزازية التي اشتملت على الامتناع عن العمل بحجة عدم وجود مازوت كاف، واللجوء إلى اختصار الخط وعدم الاستمرار إلى نهايته إذا كان طويلاً، والطلب من الركاب أجرة إضافية مضاعفة وأحياناً أكثر من مضاعفة.
من المؤسف أن أصحاب الميكروباصات والباصات امتعضوا من ظرف صعب عليهم لكنه عابر ومؤقت «عدة أيام إذ رجع توزيع المازوت إلى انتظامه المعهود»، في حين أن زبائنهم يعانون مالياً ومعيشياً بحدة وبصمت، منذ أكثر من عشر سنوات…!!.
ولم يكن ما حدث بالأمر السهل أبداً، وكان له صداه الواسع على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ عبر الناس عن رفضهم لمثل تلك الخطوة، فهي ترتب عليهم أعباء مالية كبيرة، لاسيما أن الزيادة المقترحة كانت بنسبة 50 بالمئة.
وما من شك أن هذا العبء المالي، ثقيل جداً على عاملين بأجر ومتقاعدين، هم عملياً جمهور وسائل النقل العامة.
منذ زمن غير بعيد جرت الوقائع ذاتها: خلل في توزيع كميات المازوت وتقليص لها بحجة تأخر وصول الشحنات المتعاقد عليها، وتفاقم الازدحام وتأخر كثر في الوصول إلى أعمالهم أو بيوتهم، وتوج ذلك كله آنذاك بزيادة في أجور النقل العام، وقيل إن الأمر هين وأنه مجرد خمسمئة ليرة…!!. والمصيبة الكبرى أن هؤلاء، بواقعهم الراهن ودون رفع لأجور النقل العام، يعانون معاناة مالية مريرة، حتى ولو كان هناك من يساعدهم من أبناء أو أقرباء، يعملون في دول ذات عملات قوية، يرسلون جزءاً يسيراً منها إلى الأهل في سورية.
وكانت حدة استهجان نوايا زيادة أجور النقل العام شديدة لأن الشريحة المستهدفة وهي كبيرة جدا، تعيش يومياً هاجس المنحة أو المعونة أو زيادة الرواتب والأجور.
أضف إلى ذلك أن العلاقة مع وسائل النقل العامة يومية، وأحياناً متكررة في اليوم الواحد ولعدة أماكن.
لقد استسهلت جهات عامة عديدة رفع أسعار السلع والخدمات غير عابئة إطلاقاً بواقع شريحة كبرى من السوريين تعيش على الإعانات، وهي ذات دخل منخفض جداً أو معدومة الدخل. ولست أجد مسوغاً يدفعها في هذا الاتجاه أبداً، لاسيما وأنها تنجز قراراتها غير عابئة بالآثار الاقتصادية والاجتماعية والنفسية التي سيعاني منها الفقراء والمعدمون وهم كثر.
أضعف الإيمان أن تجد لهم مخرجاً، كأن تقتطع للعاملين، نسبة من الزيادات، تُحسن واقعهم المعيشي…!!. والأمثلة كثيرة، -الرفع فيها أفدح- لكنني اخترت النقل العام لأن الحاجة إليه يومية وضاغطة وغير قابلة للتأجيل.
ولأن أرباح الميكروباصات كبيرة، بدليل أن استثمار الميكروباص في الشهر الواحد أربعة ملايين ليرة سورية.
ومن المؤسف أن أي كلام منطقي طـُرح عدة مرات حول ضرورة تنظيم أداء الميكروباصات، ووضعها تحت إشراف جهة حكومية أو نقابية، لم يلق آذاناً مصغية من الجهات الفاعلة صاحبة القرار.
وهذا عناد سيئ وغير مبرر على الإطلاق، ونتائجه المستقبلية وخيمة جداً جداً.