قضايا وآراء

بايدن يسعى إلى توريث ترامب حرباً عالميةً ثالثة

| علي عدنان إبراهيم

ينهي العجوز الأميركي جو بايدن عهده المضطرب بإشعال فتيلٍ كفيلٍ بقيادة العالم لمشاهدة اندلاع حرب عالميةٍ ثالثةٍ أجلها العقلاء والخوف من سلاح الدمار الشامل ونموذج هيروشيما وناغازاكي نحو 6 عقود، غير أن العراك السياسي الداخلي الذي انتهى بخسارة الديمقراطيين وعلى رأسهم كامالا هاريس وعرابها بايدن كرسي الحكم في الولايات المتحدة دفع الأخير لإفلات الثور الأوكراني من عقاله ودفعه باتجاه التحرش بروسيا عبر تجاوز الخطوط الحمر وقصف الداخل الروسي بصواريخ بعيدة المدى بقي استخدامها محرماً على كييف طوال عامين ونصف العام من الحرب والدعم الغربي غير المحدود للرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي لأن التهديدات التي كانت تصل من موسكو لم تكن مجرد تلويح بالأصابع بل كانت حقيقة لا يمكن حتى المجازفة في اختبارها، فهل سيبدأ الطوفان قبل وصول دونالد ترامب للإمساك بدفة السفينة الأميركية من جديد وفرملة التهور الأوكراني؟

هذا السؤال يأتي على خلفية تقارير شبه مؤكدة كشفت أن إدارة الرئيس الأميركي المنتهية ولايته جو بايدن وفي أيامها الأربعين المتبقية قبل الرحيل من البيت الأبيض قررت منح زيلينسكي ما كان يطالب به لأشهر وهو الضوء الأخضر لاستخدام صواريخ «أتاكمز» التي يمكنها تجاوز 300 كيلومتر بمواصفات مميزة كالسرعة التي تعادل 3 أضعاف سرعة الصوت والمرونة في التحرك حيث يمكن إطلاقها من عربات «هيمارس» المتحركة وأيضاً قدرتها على حمل رأس حربي يزن نصف طن من المتفجرات أو قنابل عنقودية تسبب أكبر ضرر ممكن، وذلك على الرغم من التهديدات الروسية بأن قراراً كهذا يعني مواجهة مباشرة بين روسيا وحلف الناتو الذي سيتولى عملية تجهيز وإطلاق الصواريخ لعدم خبرة الأوكرانيين بها، وما قد يلي هذا من مواجهة شاملة لن تكون أوكرانيا ساحتها فقط بل قد تمتد لتشمل أجزاء واسعة من القارة العجوز.

زيلينسكي الذي بدا سعيداً بالقرار الأميركي استقبله بحذر من قادم الأيام، فمن أعطاه الضوء الأخضر يحزم حقائبه للرحيل ويتركه عرضة لمزاج ترامب المتقلب، السيد الجديد للبيت الأبيض الذي تعهد مراراً بإنهاء حرب أوكرانيا بعد 24 ساعة من توليه الحكم رسمياً والمعروف بعلاقته الطيبة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فهل يترك أوكرانيا لتتلقى الرد وحدها بعد استخدامها السلاح المحرم؟ أم يحاول المتاجرة بها والتفاوض على وضعها مع موسكو؟ أم هناك سيناريوهات أخرى تدور في رأس زيلينسكي الذي علق باقتضاب على الأنباء القادمة من واشنطن بالقول: «هذه الصواريخ ستتحدث عن نفسها»، فيما وجد فيه الأوروبيون إشارة جيدة لتوسيع الحرب ضد بوتين ومنعه من تحقيق إنجازات جديدة في الساحة الأوكرانية بعد أن بات إعلان تحرير البلدات في دونباس وخاركوف وكورسك خبراً يومياً يشي بفشل السياسة الأوروبية وانقلاب الشارع عليها لدعمها كييف على حساب الضغط عليها منذ عامين للتفاوض مع موسكو بهدف منع هذه الحرب وتأثيراتها السلبية الخطرة بدءاً من موجة الهجرة الأوكرانية باتجاه دول أوروبا المنهكة أصلاً من مهاجري الشرق الأوسط، وارتفاع الأسعار من جراء العقوبات التي فرضت على روسيا وانعكست شحاً في الوقود والغذاء وغيرهما من المواد الأساسية، ففي حال خسارة زعماء أوروبا الرهان على الجيش الأوكراني، كيف ستتم العودة إلى حظيرة بوتين المنتصر في الوقت الذي ترجع فيه التجربة الأوروبية غير الموفقة مع ترامب؟ وفي حين عبّر مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل بما لا يدع مجالاً للشك عن ترحيب بعض الصقور الأوروبيين بالقرار الأميركي بالقول: «ما زلت أعتقد أن هذا ما يجب القيام به، لطالما قلت إن على أوكرانيا أن تكون قادرة على استخدام الأسلحة التي زودناها بها»، وعلى خطاه سارت كل من بريطانيا وفرنسا وبولندا وألمانيا، وبات الحديث عن إمكانية استخدام صواريخ «ستورم شادو» بعيدة المدى ضد عمق الأراضي الروسية على الطاولة بانتظار تطبيق القرار الأميركي، غردت إيطاليا خارج السرب ورفضت استخدام أسلحتها خارج الحدود الأوكرانية، الأمر الذي يرجع ربما لقراءة صحيحة وغير متطرفة لواقع الميدان في الساحتين الأوكرانية والأوروبية.

أما المعني الأول بالقرار الجنوني ومن سيرث مشكلة معقدة وإرهاصات حرب عالمية ثالثة، أي الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، فلن يكون نقض القرار متاحاً له قبل التنصيب الرسمي مطلع العام القادم، وحينها قد تكون الأمور انفلتت تماماً وبات اشتعال الحرب أمراً لا مفر منه، فإما في حال وقوعها أن تنكفئ واشنطن كما فعلت مطلع الحرب العالمية الثانية، وتترك أوروبا للاصطدام الحر بروسيا وحلفائها، وهذا أمر مستبعد لإدراك الأميركيين أن جيوش أوروبا مجتمعة لن تصمد أمام القوة الروسية، وإما أن تقود هذه الحرب على رأس حلف الناتو وهذا أمر لا يرضي العقيدة الترامبية التي تسعى إلى اللعب على حبال الخلافات بين الدول بغية إيجاد مصادر تمويل جديدة والابتعاد عن إشعال الحروب التي تتسبب بتكاليف مالية يمتهنها الرؤساء الديمقراطيون خلال ولاياتهم لاقترانهم بشركات السلاح ويبتعد عنها الجمهوريون كما جرت العادة لا الاستثناء.

ابن ترامب دونالد الصغير عبّر عما يدور في خلد والده وقال معلقاً على منصة إكس: «يبدو أن المجمع الصناعي العسكري يريد التأكد من إشعال الحرب العالمية الثالثة قبل أن تتاح لوالدي فرصة تحقيق السلام وإنقاذ الأرواح»، مشيراً بما لا يدع مجالاً للشك إلى علاقة الإدارة الديمقراطية الراحلة بشركات السلاح في الولايات المتحدة، ومضيفاً: «يجب أن نوقف تلك التريليونات من الدولارات.. أيها الحمقى»، وهنا إشارة أخرى إلى العقيدة الترامبية التي تسعى إلى توفير المال وسكبه في الاقتصاد الأميركي عوضاً عن ضخه في معارك الأوروبيين، فوالده صاحب مقولة ليحمي الأوروبيون أنفسهم قبل ما يزيد على 4 سنوات.

وعلى الرغم من ترحيب كييف بالقرار إلا أن فرصة التفكير لم تفت بعد كي تلغي هذه المقامرة وهي تعلم أنها ليست إلا نكاية سياسية أميركية داخلية من عجوز خسر رهانه على نائبته هاريس بعد أن خسر قبل أشهر قليلة ما تبقى من كرامته على منصة المناظرة مع منافسه ترامب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن