مهرجان حمص المسرحي الخامس والعشرون أربعة عروض مسرحية وغياب لجلسات النقاش … عروض قليلة وغياب للأجواء المسرحية في مهرجان المدينة
| عبد الحكيم مرزوق
اختتمت عروض مهرجان حمص المسرحي الخامس والعشرين الذي أقامه فرع نقابة الفنانين بالتعاون مع مديرية الثقافة ودائرة المسرح القومي بحمص على مسرح قصر الثقافة واشتمل على أربعة عروض مسرحية فقط وهو المهرجان الأول الذي يقام بهذا العدد القليل من العروض عبر السنوات الماضية التي توقف فيها لأسباب عديدة، وغابت هذا العام جلسات النقاش الجماهيرية ولا نخبوية تضم مختصين وأكاديميين يقيّمون الأعمال المقدمة على خشبة المسرح وذلك للمرة الأولى عبر تاريخ المهرجان.
المحرقة أول الغيث قطرة
أول عروض مهرجان حمص المسرحي الخامس العشرين مسرحية المحرقة من تأليف وإخراج الفنان زيناتي قدسية.
قدم العرض شخصيتين رئيستين، في العرض الأولى «يونس» الملقب بـ«جحا» والتي جسدها الفنان زيناتي قدسية والثانية «يقطين» التي جسدها الفنان حسين عرب الذي يتعرض لحادثة في صغره تفقده النطق، ولهذا يبدو الحديث في القسم الأول لـ(جحا) الذي يتولى التعريف بنفسه وبـ(يقطين) الذي يسبقه في الدخول إلى خشبة المسرح على أنغام أغنية أم كلثوم، وتبدو في البداية ثيابهما وكأنهما قادمان من العصر الحجري ليدخلا في العرض إلى إحدى القاعات التي تبدو خالية إلا من عمود على قاعدة وكأنه نصب تذكاري مغطى بقطعة قماش كبيرة، لتبدأ بعد ذلك قصة قدومهما التي بدأت على شكل شكوى مما لاقاه الاثنان خلال رحلتهما التي قدما منها فهما قد عانا الظلم والإجحاف بحقهما، فجحا نصير الفقراء والمساكين في الأرض المدافع عن حقوقهم المهضومة حيث يتعرض(جحا) للملاحقة من أصحاب المقامات الذين شعروا أن وجوده خطر عليهم وهرب ناجياً بنفسه وهو يوجه الحديث إلى النصب المتربع وسط خشبة المسرح بقوله يا «مولانا» وكأنه شخصية حقيقية ويؤكد ذلك الصوت القادم عبر أجهزة الصوت متفاعلاً مع السرد الذي يقوم به جحا، ومع ذلك فإن التوصيف الذي يقوم به الصوت الآخر الذي يمثل النصب لا يختلف عن الذين يلاحقون «جحا»، وحين يكشف الغطاء عن النصب الخشبي يكون عبارة عن جمجمتين معلقتين على القطعة الخشبية وكأن العرض يقول إن مساعيهما في نقل شكواهما عبثية لأنها تقدم لأموات وليس لأحياء يشعرون بمعاناة الناس وهمومهم.
مسرح العبث في نهاية اللعبة
في ثاني أيام المهرجان قدمت فرقة نقابة الفنانين بحمص مسرحية «نهاية اللعبة» تأليف صموئيل بيكيت، إعداد وإخراج جواد عكلا.
ينتمي عرض«نهاية اللعبة» إلى مسرح العبث وهو يتعرض لبعض القضايا والنقاشات الفكرية والفلسفية عن الكون والحياة والانكسارات التي يتعرض لها الإنسان وعدم الشعور بالاستقرار جراء ما يجري في الكون من حروب ودمار ناتج عن فعل الإنسان والطبيعة كالزلازل والبراكين من خلال شخصيتين مفترضتين إحداهما كلوف «جواد عكلا» المبصر الذي لا يستطيع الجلوس، وهام «أفرام دافيد» الكفيف والعاجز الذي لا يستطيع الوقوف ويسير عبر كرسي متحرك، وتظهر النقاشات الدائرة بين الشخصيتين تلك الهوة العميقة بينهما وعدم استمرارهما على التواصل بسبب تلك الآراء التي يحملها كل منهما.
حكاية أبو نزهة بائع الكتب
في ثالث أيام المهرجان قدم المسرح القومي بحمص عرضاً مسرحياً بعنوان حكاية أبو نزهة وهو من تأليف وإخراج الفنان تمام العواني.
يروي العرض قصة (أبو نزهة) بائع الكتب الذي كان يفرد كتبه على سور مبنى محافظة حمص من أكثر من ثلاثين عاماً، وقد صدر قرار الجهات المعنية في محافظة حمص بإزالة كل إشغالات الأرصفة في المدينة لأنها تسيء إلى الذوق العام، وعلى الرغم من كل مساعيه يصطدم بالقرار الذي لا رجعة عنه وهو منع إشغال الأرصفة.
«حكاية أبو نزهة» عرض بسيط قدم حكاية أبو نزهة التي لم تكن جافة بل لونها بأداء بعض الشخصيات التي أضفت الكثير من الحيوية ومنها شخصيتا المسؤول عن المصادرات ومدير الثقافة وقد جسدهما الفنان محمد خير الكيلاني مقدماً بعض اللمحات لكل شخصية بأدائه المسرحي، وكذلك الفنان سعيد العدوي الذي قدم شخصية رئيس المدينة بأداء مقنع لامس فيه روح تلك الشخصية وكذلك جهاد شرفلي الذي جسد شخصية بائع الجرابات وعازف العود مازجاً بين الشخصيتين بآن معاً وكذلك الفنانة يارا العلي التي جسدت شخصية السكرتيرة التي تقضي أوقاتها أمام المرآة في تحسين مكياجها من دون الاهتمام بخدمة المواطنين، أما الفنان تمام العواني بطل العرض فقد صبّ خبرته المسرحية التي تنوف على الأربعين عاماً في تقديم شخصية أبو نزهة بروحها ومعاناتها ولحظات قلقها وفرحها على خشبة المسرح.
العروس قصة بندقية
اختتمت فرقة المسرح العمالي بحمص عروض مهرجان حمص المسرحي بعرضها المسرحي (أنا ليلى… أهدي سلامي) تأليف غسّان كنفاني إعداد وإخراج الفنّان سامر إبراهيم أبو ليلى على مسرح قصر الثقافة.
اعتمد المخرج في تقديم عرضه المسرحي على عدة قصص للكاتب الفلسطيني غسان كنفاني عبر حبكة درامية مسرحية جمعت تلك القصص مضيفاً إليها الرؤية البصرية عبر الديكور والأزياء الفلسطينية والمقاطع الغنائية والموسيقية كي تشكل معادلاً موضوعياً عن السرد الحكائي في القصص المكتوبة، ويضيف إليها شيئاً من نبض الحياة عبر الممثلين الذين جسدوا تلك القصص حيث يبدأ بقصة الخال حمدان الذي أضاع عروسه، ولا تتوضح التفاصيل إلا في نهاية العرض ليجسد على الخشبة طمع صاحب البيت (نزيه) الذي يسكنه الخال حمدان مع أخته وولديها ببيع البيت لليهودي الذي يدفع مبلغاً مغرياً، ورفضهم هذه الصفقة ومواجهة اليهودي والمرابي بإطلاق النار فيصاب المرابي ويهرب ويقتل اليهودي صديق العائلة الذي يستشهد مدافعاً عن أرضه، ويقدم صوراً بطوليةً أخرى للتضحية والدفاع عن الأرض من خلال تصدي الشباب الفلسطيني واستشهادهم في عدة مواقع، ويختم باستكمال قصة العروس وهي قصة بندقية على شكل ولون العلم الفلسطيني انتزعها الخال من الخطوط الأمامية للأعداء بعد أن تحمل مشقات كثيرة لإحضارها، كانت جديدة وفريدة ونادرة من بين أنواع البنادق المتداولة بين أيدي الثوار حيث يستعيرها أحد أصدقائهم ولا يعيدها ويبيعها لأحد الفلسطينيين كمهر لابنته العروس.