قضايا وآراء

قرار المحكمة الجنائية انتصار للعدالة وللقانون الدولي

| د. قحطان السيوفي

أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب منذ 8 تشرين الأول 2023 حتى 20 أيار 2024 على الأقل، وجاء في قرار هيئة القضاة الثلاثة المُتخذ بالإجماع: «إن هناك أسباباً معقولة للاعتقاد بأن كلا الشخصين حرم السكان المدنيين في غزة عمداً وعن علم من الأشياء التي لا غنى عنها لبقائهم على قيد الحياة، بما في ذلك الغذاء والماء والأدوية والكهرباء والإمدادات».

وقالت منظمة «بتسيلم»، وهي إحدى المنظمات المهمة في مجال حقوق الإنسان في إسرائيل: «إن مذكرات الاعتقال تشير إلى الانحدار السريع لإسرائيل نحو الهاوية الأخلاقية»، وأضافت: «إن المجتمع الدولي يرسل إشارة إلى إسرائيل بأنه لم يعد بإمكانها الاستمرار في سياسة العنف والقتل والتدمير من دون أن تخضع للمساءلة عن أفعالها».

وجاء في حيثيات القرار التهم الآتية:

1- تجويع الفلسطينيين عمداً كأسلوب من أساليب الحرب.

2- التسبب عمداً في معاناة شديدة أو إلحاق ضرر جسيم بالجسم أو الصحة.

3- القتل العمد أو القتل باعتباره جريمة حرب.

4- تعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين باعتبارها جريمة حرب.

5- الإبادة الجماعية والقتل.

6- الاضطهاد باعتباره جريمة ضد الإنسانية.

7- الأفعال اللاإنسانية الأخرى التي تعتبر جرائم ضد الإنسانية.

ويُعد هذا القرار سابقة تاريخية ضد إسرائيل على جرائم الحرب المرتكبة في الأراضي الفلسطينية المحتلة واعتبارها جرائم ضد الإنسانية.

القرار هو إقرار دولي بنزعِ أي شرعية حاولت إسرائيل وواشنطن الاحتماء بها في الحرب على غزة.

هذا القرار وضعَ نهاية جديِّة للحياة السياسية لنتنياهو، لأن أي محاولة للإصرار على بقائه في السلطة يعنى تحدياً للمجتمع الدولي، وعُزلة إضافية لإسرائيل ويعتبر القرار ضربة قوية للكيان الصهيوني ولداعميها وخاصة الولايات المتحدة، في ظل تخاذل المجتمع الدولي وعدم القيام بمسؤولياته الأخلاقية تجاه مأساة غزة وجرائم الاحتلال الصهيوني، والقرار فتح المجال لملاحقة شخصيات أخرى في الحكومة والجيش الإسرائيلي، وفقاً لتوافر أدلة اتهامات لهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في ظل ممارسة أعمال الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في حق الفلسطينيين، وهذا يعنى أن إسرائيل تلقت هزيمة إستراتيجية جديدة، ستدفع ثمنهاً مستقبلاً.

استكمالاً لهذا القرار يجب ملاحقة كل من ارتكب جرائم حرب من ضباط وقادة وخاصة أنهم يقومون بنشر صورٍ وأفلام وتصريحات يتفاخرون فيها بما قاموا به من أعمال إبادة جماعية.

والقرار خطوة تاريخية بعدالة القضية الفلسطينية ويؤكد للعالم مشروعية القضية الفلسطينية ويعطي الأمل بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي الذي جرى على مدى عقود واجه الفلسطينيون خلالها النزوح والعنف في ظل السياسات الإسرائيلية الغاشمة.

المحكمة الجنائية الدولية تعتبر فلسطين دولة لأنها تتمتع بوضع مراقب في الأمم المتحدة، ما سمح لها بالتوقيع على نظام روما الأساسي الذي أدى إلى إنشاء المحكمة الجنائية الدولية.

رفضت الحكومة الإسرائيلية قرار المحكمة، وكان رد فعل نتنياهو غاضباً على صدور مذكرة اعتقال بحقه، ووصفه بأنه «ذو دوافع سياسية» واتهم المحكمة بالتحيز ضد إسرائيل.

وأعرب حلفاؤه، بمن فيهم الولايات المتحدة، عن قلقهم.

بالمقابل منظمات حقوق الإنسان اعتبرت القرار خطوة ضرورية نحو المساءلة، فقد أشادت منظمة العفو الدولية و«هيومن رايتس ووتش» بالمحكمة الجنائية الدولية لاتخاذها إجراءات ضد ما تصفه بالانتهاكات المنهجية للقانون الدولي من إسرائيل، وأشار مفوض السياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إلى أن «الاتحاد أحيط علماً بمذكرة اعتقال نتنياهو وغالانت، وهي لازمة التنفيذ بالنسبة إلى الدول الأعضاء، وأن قرار المحكمة ليس «سياسياً» ويجب احترامه»، كما أعربت دول عديدة عن دعمها للحكم، مؤكدة الحاجة إلى العدالة في حل الصراع الإسرائيلي– الفلسطيني.

يواجه نتنياهو منذ فترة طويلة اتهامات من منظمات حقوق الإنسان بسبب سياساته في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، وهو الآن متورط رسمياً في أعمال تعتبرها المحكمة الجنائية الدولية جرائم حرب، ويشمل ذلك توسيع المستوطنات غير القانونية، والاستخدام غير المتناسب للقوة ضد المدنيين، والحصار المفروض على غزة.

إنها المرة الأولى التي يواجه فيها مسؤول إسرائيلي مثل هذه الاتهامات في محكمة دولية، ما يشكل سابقة للمساءلة، وهذا يبعث برسالة قوية مفادها أنه لا يوجد شخص، بغض النظر عن قوته السياسية أو تحالفاته العالمية، فوق القانون.

إن قرار المحكمة المذكور يؤكد للعالم مشروعية القضية الفلسطينية ويعطي الأمل للفلسطينيين بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي الذي جرى على مدى عقود واجهوا خلالها النزوح والعنف وتآكل حقوقهم الأساسية في ظل السياسات الإسرائيلية الغاشمة.

ويعترف حكم المحكمة الجنائية الدولية بهذه المظالم على الساحة العالمية، ما يضفي الشرعية على النضال الفلسطيني من أجل العدالة وتقرير المصير، كما يمكن أن يعزز الدعم الدولي للقضية الفلسطينية، ولمشروع حل الدولتين.

وبموجب قرار المحكمة، أصبحت الدول الأعضاء فيها ملزمة قانوناً بتنفيذ الأمر باعتقال نتنياهو وغالانت إذا دخلا أراضيها، والقرار حوّل نتنياهو إلى شخص مطلوب دولياً، وقد ندد نتنياهو بالقرار قائلاً: إن إسرائيل «ترفض باحتقار هذه الإجراءات العبثية والكاذبة»، وقال: «لا يوجد شيء أكثر عدلاً من الحرب التي تخوضها إسرائيل في غزة».

تعني مذكرة الاعتقال أن الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية البالغ عددها 124 دولة بما في ذلك بريطانيا، ستكون ملزمة باعتقال نتنياهو إذا دخل أراضيها، القرار لا يسقطُ بالتقادُم، وتظلُّ التهمةُ لصيقةً بنتنياهو في المنصب وخارجه، والقرارُ؛ يُمثِّلُ انقلاباً صادماً للوعي الصهيوني، ولظهيره من التيَّارات، والقرار من شأنه تشويه سمعة الكيان بنظر الرأي العام العالمي، وإلحاق وصمة عار بقياداته باعتبارهم مجرمي حرب، ويضعُ إسرائيل لأول مرَّة في دائرة اتهام دولية.

القرار هو تذكير قوي بأن السعي لتحقيق العدالة يتجاوز الحدود، ومن المؤكد أن من شأنه أن يمحو السردية الإسرائيلية التي كانت تسخر لها المليارات من الدولارات بل وظف اللوبي الصهيوني الوسائل الإعلامية العالمية والدولية لمصلحة تعزيز السردية الإسرائيلية منذ 1948.

ويبقى قرار المحكمة الجنائية باعتقال نتنياهو انتصاراً للعدالة وللقانون الدولي ومنارة أمل للشعوب المضطهدة في جميع أنحاء العالم.

وزير وسفير سوري سابق

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن