«سلم تصحيح» حكومي!
| علي هاشم
يشعر المرء برغبة عارمة للاطلاع على فحوى «الاقتراحات» التي قدمها «الوزراء لتحسين استقرار سعر صرف الليرة»- حسبما أورد الخبر الرسمي لجلسة الحكومة الأسبوعية أول أمس- ومنهم على وجه الخصوص وزراء الصناعة والاقتصاد والمالية والتجارة.. ولو قيض لهذه الرغبة أن تتحقق، لكان بوسعنا منح علامة دقيقة لكل من السادة الوزراء وفق «سلم تصحيح» متماسك قوامه جملة الإجراءات الطارئة التي اقترحها رئيس اتحاد غرف الصناعة هذا الأسبوع لمواجهة التعمق الداهم لأزمة الليرة. ففي رسالته التي عنونها «كي ننقذ ليرتنا.. علينا التحرك بسرعة الضوء»، اقترح رئيس غرف الصناعة على الحكومة اغتنام فرصة التصدير مسارا اضطراريا للتعافي النقدي عقب التراجع الكبير في عائداتنا من ثرواتنا الوطنية التقليدية، مشترطا لذلك التزام معادلة بسيطة: «لكي نصدر لا بدّ من أن ننتج أولاً». ووفق رؤيته، هذا ما لن يحدث ما لم تهرع الحكومة لوقف الإجراءات «التعسفية» بحق المنتجين المتعثرين وتشجيع المتضررين منهم عبر إعفاءات مناسبة، وتحفيز الإقراض، وإطلاق قوانين محفزة للاستثمار إلى حدود «الحمائية» بما يتيح للقطاع الصناعي الاستفادة القصوى من كوننا اليوم «البلد الصناعي الأرخص في العالم»! في السياق العام، وبغض النظر عن الملاحظات حول مقترح رئيس الغرف الصناعية، فهي لا تحيد عن اللغة الشعاراتية الأكثر تداولا في الإعلانات الحكومية حول «جوهرية استنهاض الإنتاج» للجم أزمة النقد الوطني، ما يثير التساؤل بالفعل حول مغزى إعادتها على مسامعها مرة أخرى؟!أما في الواقع، فثمة ما يدفع المرء للاعتقاد بأن نوايا الحكومة الصادقة حيال شعاراتها، عادة ما تتم ترجمتها، وبشكل لافت، إلى آليات تدفع الاقتصاد في الاتجاه الآخر. وجلسة الحكومة الثلاثاء الماضي لم تشذ عن هذه القاعدة، إذ إن الطرح الوحيد الواضح القابل للقياس في مجمل الأفكار التي دارت يتمثل في دعوة رئيسها لرفع سعر الفائدة الدائنة على الودائع لحدود تاريخية تلامس 20%!، في إجراء استثنائي يجسد حلقة جديدة من سلسلة معالجة تمظهرات أزمتنا الاقتصادية، وإشاحة الوجه عن الأزمة ذاتها، كما يعد مثالا حيا عن الإصرار الحكومي بالتعاطي مع خلل المعادلة الاقتصادية عبر جناحها النقدي متجاهلا جناحها الآخر المتعلق بالكتلة السلعية، التي يعد مصدرها وتراجع حصة المنتج الوطني منها، السبب الأساس في مشكلتنا النقدية.
يمكن لرئيس مجلس الوزراء أن يسأل خبيراً نقدياً موثوقاً غير ذاك الذي اعتمد عليه في تبني فكرته بتحريك سعر الفائدة المدينة، فقد يحظى بتصور دقيق عن المخاطر الاقتصادية التي سيحملها معه هذا المقترح على المدى القريب، لكن ما لا يحتاج إلى خبرة لتلمسه في فكرته تلك دورها في تكريس عتبة جديدة للفائدة الدائنة التي «قتلت» نسبتها المرتفعة عند 13% كل فرصة ممكنة لإنجاح القروض التشغيلية التي أنفقنا عاماً كاملا في «دراستها». بوضوح يحاكي عين الشمس، قرار تحريك سعر الفائدة المدينة صعودا يعكس القدرات الحكومية المتواضعة في معالجة أخطر أزماتنا الوطنية في الوقت الراهن، إذ إن انتماءه للسياسات الانكماشية في حين تصرخ احتياجاتنا الإنتاجية بحلول معاكسة تماما، سيبقينا «البلد الأقل صناعة في العالم»، رغم الحقيقة التي عبر عنها رئيس غرف الصناعة بأننا «البلد الصناعي الأرخص في العالم»!