سعي نحو السراب
| عبد المنعم علي عيسى
جاء حديث أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة الذي بثته مؤسسة السحاب الذراع الإعلامية لتنظيم القاعدة في 8/5/2016 حاسماً لمرحلة سابقة اتسمت بالكثير من الشد والجذب والكثير أيضاً من محاولات الدفع نحو قيام تراصفات جديدة على الساحة السورية والتي كانت مفاجآتها الكبرى فيما أعلن عنه سيرغي لافروف 4/5/2016 بأن بلاده قد رفضت طلباً أميركياً لإدخال جبهة النصرة تحت مظلة الهدنة الحلبية المعلنة فجر 5/5/2016.
لم يكن من الصعب رؤية العديد من القوى الإقليمية وهي تعمل على تلميع صورة جبهة النصرة عبر إظهارها ككيان آخر مختلف عن داعش تمهيداً لفرضها كجزء أساسي في أي تسوية سياسية مفترضة.
منذ وقت ليس بالقصير بدا واضحاً أن جبهة النصرة يشوبها انقسام تبلور عنه تياران اثنان فيما يخص العلاقة مع تنظيم القاعدة الأول يرى أن فك الارتباط مع هذه الأخيرة هو أمر ستكون له مكاسب عديدة وفي الذروة منها الاحتضان الغربي (العلني) والثاني يرى أن فك الارتباط سوف يؤدي إلى خسارة فادحة في أوساط المقاتلين الأجانب الذين يقاتلون في صفوف «الجبهة» ولذا فإن أي تفكير بأمر من هذا النوع سوف ينتج عنه في المحصلة رجحان لكفة الخسائر على كفة المكاسب بما لا يقاس بالتأكيد.
عاشت التنظيمات الإرهابية والمتطرفة- ونمت وتطورت- في ظل حالة تشرذم إقليمي ودولي تجاه التعاطي معها ما أتاح لها الاستفادة من الثغرات التي نتجت عن حالة التشرذم السابقة الذكر ولذا فإنها تنظر اليوم إلى التفاهم الأميركي الروسي الذي أثمر عن هدنة 27/2/2016 على أنه يمثل خطراً وجودياً يهدد بإضعافها بل زوالها عبر المحاولات الجارية التي ترمي إلى عزل جبهة النصرة عن محيطها، كوسيلة مهمة لمحاصرتها وإضعافها، الأمر الذي يفسر خروقات الهدنة المتكررة التي تقوم بها تلك التنظيمات والتي كان آخرها الهجوم على خان طومان الذي جرى بمشاركة طيف واسع من الفصائل المسلحة والذي حمل أكثر من إشارة فهو لم تكن خطورته أو أهميته تنبع فقط من كونه يمثل خرقاً لهدنة يرعاها كل من واشنطن وموسكو وإنما تنبع أيضاً من أنه (الهجوم) كان بزعامة جبهة النصرة التي أرادت أن ترسل رسالة مهمة هي أن الجهود الرامية إلى عزلها لن تكون مجدية بل لن تستطيع إرغامها على التخلي عن دفة القيادة أو العودة إلى المقاعد الخلفية.
يأتي خطاب أيمن الظواهري في لحظة سياسية وعسكرية عصيبة فجميع المسارات مغلقة على الساحة السورية إلا مساراً واحداً يتمثل في إراقة الدماء على الرغم من أن برك هذه الأخيرة تبدو غير قابلة للجفاف، وهو (خطاب الظواهري) يرمي إلى أمرين اثنين: الأول دعم التيار الرافض لفك ارتباط جبهة النصرة مع تنظيم القاعدة مشيراً إلى أن أمراً كهذا لن يؤدي إلا لجلوس المجاهدين مع «أكابر المجرمين» والثاني: العمل على إخراج النصرة من المآزق الذي تعيشه عبر الدعوة إلى «نفير عام» لدعم حروبها وفك عزلتها وانتشار ثقافتها التي لا تنتشر ولا تزدهر إلا في برك الدماء العميقة.
اليوم من الممكن القول إن النجاحات الصغيرة التي حققتها جبهة النصرة مؤخراً أو خلال الشهرين الماضيين قد انعكست على خرائط التموضع العسكرية وبمعنى آخر فقد دفعت بالعديد من الفصائل المسلحة الصغيرة للخروج من تحت مظلة الهدنة التي يرعاها كل من موسكو وواشطن، الأمر الذي شجع الظواهري على دعوة تلك الفصائل إلى التوحد تحت راية واحدة على الرغم من أنه يدرك أن دعوة من هذا النوع أشبه بالمستحيلة فهي تتطلب وقبيل أن تحدث إجراء عمليات فك الارتباط بين تلك الفصائل والدول الإقليمية الداعمة لها وهو ما يمكن وصفه بأنه سعي نحو السراب.