«أمريكا أولاً» إلى أين؟
| عبد المنعم علي عيسى
لربما تبدو النتيجة محسومة داخل الحزب الجمهوري الأمريكي لمصلحة دونالد ترامب ولربما- أيضاً- وعلى عكس ما يرجحه كثيرون قد تكون تلك النتيجة تميل لمصلحة هذا الأخير في وصوله إلى البيت الأبيض بعد انتخابات تشرين الثاني المقبلة.
من الناحية العملية يمكن القول إن دونالد ترامب هو من يمثل استمرارية النهج الذي كرّسه باراك أوباما على مدى ثماني سنوات ماضية على الرغم من أن الأمر الطبيعي أن تكون المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون هي من يمثل ذلك الأمر، يظهر ذلك في حالة التوافق القصوى في المحور العام الحامل للسياسات التي يتبناها كل من الرئيس والمرشح الجمهوري ترامب وفي هذا السياق يمكن القول إن باراك أوباما كان قد عمل على امتداد ولايتيه على تكريس إستراتيجيا (الانسحاب المتدرج) التي بدت فاقعة جداً في حضوره للقمة الخليجية 20/4/2016، والانسحاب المتدرج هنا لا يعني تخفيف- أو إخلاء- الوجود الأمريكي في منطقة ما ساخنة أو مشتعلة، بل إنه يعني طيّ المظلة الأمنية الأمريكية التي تظل الكثيرين على امتداد هذا العالم.
ومن الناحية العملية أيضاً فإن المحور العام الذي تقوم عليه حملة دونالد ترامب هو شعار «أمريكا أولاً» وهو يعني ضمناً تخلي أمريكا عن تقديم الحماية المجانية التي كانت تقدمها لبضع عشرات من الدول أو الأنظمة في قارات العالم الخمس بذريعة أن لها مصالح إستراتيجية في تلك المناطق تجب حمايتها، وفي الرد على ذلك- يقول ترامب-: «ولكن أين هي المناطق التي لا توجد فيها مصالح لأمريكا؟ هل نحمي العالم؟ ثمّ أن كمّ المصالح- يتابع ترامب- متغيّر من مكان إلى آخر- ومن مرحلة إلى أخرى ومن كان حتى الأمس عدواً لدوداً قد يصبح بين ليلة وضحاها صديقاً حميماً في غمز من قناة باراك أوباما الذي جاءته فكرة السير إلى هافانا كما لو أنها إلهام مفاجئ!!
لا تبدو إستراتيجيا «الانسحاب المتدرج» على أنها ناجمة عن ظرف طارئ أو تكتيك لمواجهة مرحلة انكماش فرضتها أحداث مؤقتة، بل إنها تبدو أكثر نهجاً ستتبناه أمريكا المستقبل والذي تقرّه تلك الخلايا التي تسوس بلادها لكي تكون- وتبقى- القطب العالمي الأوحد.
لم تنفك- منذ فترة ليست بالقصيرة- تتوالى الرسائل الأمريكية الموجهة إلى الخارج والتي تؤكد أن على الجميع أن يدرك بأن ما من شيء مجاني بعد اليوم حتى في أقل القضايا حساسية فكيف الأمر إذاً إذا ما كان الأمر يتعلق بحماية أنظمة أو دول قائمة؟ وكيف الأمر إذاً إذا ما كانت تلك الأنظمة التي تحظى بتلك الحماية هي نفسها التي تلعب دور الخنجر الذي يمكن أن يوجه إلى الظهر الأمريكي؟ ألم تذهب الرياض في لحظة طيش لأمير أو نزق ملك إلى حدود التهديد بسحب أصولها العاملة على الأراضي الأمريكية إذا لم يتوقف الكونغرس الأمريكي عن استصدار قرار يجيز للقضاء الأمريكي طلب مسؤولين سعوديين بتهم ارتباطهم في أحداث أيلول 2001؟ ألم تكن السعودية وعلى مدى 71 عاماً ماضية تحظى بتلك الحماية؟ ثم هل كان ذلك رادعاً كافياً لكي لا تمارس سياسات أقل ما يقال فيها إنها تعبر عن سوء النيات أو الإضرار بالآخر بغض النظر عما يمكن أن تفضي إليه تلك السياسات؟
سيكون لزاماً على ساكن البيت الأبيض الجديد –ومن يتلوه- أن يأخذ المنحى العام الذي تسير إليه الولايات المتحدة بالحسبان والذي يقوم على نظام «tach» كبديل عن نظام الضغط على الأزرار كثير الأعطال والحاجة إلى الصيانة، وفي غماره (غمار المنحى) يبرز العديد من الظواهر الدالة على جهود تسعى إلى ذهابه سريعاً نحو خط الوصول على شاكلة الدعوة التي أطلقها المرشح الديمقراطي (بيرني ساندرز) التي حظيت بتأييد شرائح واسعة داخل الحزبين الديمقراطي والجمهوري وهي ترى وجوب تحجيم الدور الذي يقوم به شارع المال والأعمال بنيويورك في صناعة القرار السياسي الأمريكي والتي ترمي إلى نزع مخالب رأس المال الأمريكي كثير النزعة إلى المغامرة العسكرية سعياً وراء استثمارات جديدة وأرباح أفضل، وهي لا تنفصل عن التوجه الأمريكي الجديد بل هي في صلبه وداعمة له، صحيح أن طريقها لن يكون مفروشاً بالورد فدون ذلك مصالح كبرى وتكتلات عملاقة إلا أنها تملك من الموجبات– كما يرى داعموها- أكثر بكثير من الموانع التي تقف بوجهها بدليل سعيهم الحثيث إليها.