طهران.. التحالفات الممكنة
| مازن بلال
لم يعد ممكناً التفكير بالخروج من الأزمة السورية من دون البحث بسيناريوهات إعادة إنتاج الشرق الأوسط، وقراءة الاجتماع الثلاثي لوزراء دفاع إيران وروسيا وسورية تدخل ضمن هذا الإطار، فالحضور العسكري في سورية بدأ يتخذ شكلاً غير مسبوق؛ حتى مع عدم وجود قوات برية كثيفة من الدول الكبرى، فإدارة المعركة التي دفعت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا لإرسال مستشارين ومدربين، تشكل مقدمة لتحول الحرب إلى صراع إرادات حول التكوين النهائي لبنية الشرق الأوسط في المراحل القادمة.
ورغم عدم وضوح التحالفات والترتيبات التي يمكن أن تظهر لاحقاً، إلا أن المؤشرات تضع تداعيات محتملة في حال ظهور نموذج سوري نتيجة أي توافقات دولية، لكن هذا النموذج يخضع لعاملين أساسيين: الأول مرتبط بتوازن القوى الإقليمي الذي يحتاج إلى دفع حقيقي لقوة «الدولة الوطنية» التي تسعى الولايات المتحدة أصلا لإزاحتها، واستبدالها بتوافق داخلي يُنتج بنية سياسية هشة هي دون الدولة، ولكنها تنظم علاقات القوى الإثنية والمذهبية، فالدول في سيناريو الولايات المتحدة لا تعتمد على التعدد الثقافي والسياسي، بل على إدارة هذا التعدد وصولاً إلى توازن هش يشبه ما حصل في يوغوسلافيا السابقة أو السودان أو حتى الصومال.
العامل الثاني هو «الإرهاب» الذي يتم الاستناد إليه في البحث عن سناريو يمكنه أن يحد من هذه الظاهرة، أو يجعلها على الأقل ضمن نطاق جغرافي محدد ويمنعها من التطور والانتشار، ورغم أن مشكلة الإرهاب أعقد من أي سيناريو محلي أو إقليمي، لكنها في الوقت نفسه ترسم التفكير الإستراتيجي لمعظم الدول الكبرى، فسيناريو الشرق الأوسط القادم بالنسبة للولايات المتحدة يعتمد على دول «ماصة» للإرهاب نتيجة توافق المكونات في كل دولة، وفي المقابل فإن روسيا ترى أن منظومات الأمن الإقليمي هي الأقدر على إنهاء «التنظيمات الإرهابية» في المنطقة.
عمليا فإن اجتماع طهران يعبر عن توجهات «التأثير القوي» للدول ضد الإرهاب، فهو يستند لتحالفات بين الدول وليس إلى التوازن المفترض بين المكونات السكانية لكل دولة، فروسيا وإيران وسورية هي دول لا تسعى لرسم تحالف تقليدي بل تسعى لفرض سياق مختلف في مواجهة السيناريوهات القادمة تجاه شرقي المتوسط، وملامح هذا التحالف تنطلق من رؤية أن الشروط الإقليمية يجب أن تتغير حتى تتم محاربة الإرهاب، وفي المقابل فإن البنية العامة للمنطقة لا تتحمل دولاً «تمتص» الإرهاب لأن مثل هذه الحلول يمكنها أن تكرس حالة من التطرف كما حدث في أفغانستان أو حتى في العراق، فإنهاء هذه الظاهرة يستند في النهاية إلى:
– عدم وضع الإرهاب كشرط مسبق في البحث عن حلول، فتجاوز هذه الظاهرة هو الأساس والانطلاق نحو دور قوي للدول المتضررة من الوجود الإرهابي.
– توازن العلاقات في الشرق الأوسط لا يستند إلى إعادة رسم الدول من جديد، بل دعم تلك الدول كي تستوعب الصراع المزدوج ضد الفوضى ومحاولة تفتيت بنيتها.
اجتماع طهران يفتح إمكانية تحالفات غير نمطية في مواجهة الإرهاب والتفتيت، فهو بالتأكيد ليس للتنسيق الموجود أساسا بين الدول الثلاث، وهو في المقابل يمكن أن يطرح مساراً موازياً لما تقوم به الولايات المتحدة في الشمال السوري، فالسيناريوهات الجديدة تحتاج لكتلة صلبة قادرة على مواجهة انبثاق منظومة شرق أوسطية جديدة.