تركيا في خدمة أردوغان!
| بيروت – محمد عبيد
من السهل على أردوغان اليوم تحميل مُنَظِر سياسته الخارجية وصانعها أحمد داوود أوغلو مسؤولية تدهور علاقات تركيا مع جيرانها كسورية والعراق وأندادها كإيران وحلفائها التقليديين كالكيان الإسرائيلي خلال العقد الماضي. بل إن مصلحته تكمن في التبرؤ من أفعال أوغلو في وقت لا يسعى فيه لاستعادة علاقات بلاده معهم فقط وإنما أيضاً لإعادة ترتيب تموضعه الشخصي كرئيس لتركيا مع اضطراره للتخلي عن رئاسة حزب العدالة والتنمية وفي ظل احتمال قوي بعدم نجاحه في تمرير استفتاء يؤدي إلى الانتقال إلى النظام الرئاسي.
من غير المتوقع أن يبادر النظام التركي إلى إجراء مراجعة أو نقد موضوعي لتورطه بالدم السوري وبالتالي فإنه لن يفكر حالياً بالتواصل ولو سراً أو بالواسطة مع القيادة السورية باعتبار أن لانكشاف تواصل كهذا أثماناً أمنية- إرهابية لابد سيدفعها هذا النظام نتيجة تغلغل المنظمات الإرهابية في أوساطه المخابراتية وكذلك الاجتماعية، لذا فإن أي تعديل في مقاربة أنقرة للحرب على سورية سيكون نتاج تغيير في الميدان ينسحب على موازين القوى الدولية والإقليمية ما يفرض تسويات على النظام التركي القبول بها لمساعدته على التخلص مما اقترفه بحق شعبه وشعوب المنطقة من رعاية واحتضان وتسويق للإرهاب التكفيري وليس بفعل حوار تركي- سوري مباشر.
وعلى الصعيد العراقي، فإن أنقرة اختارت التصعيد ضد مكونات الشعب العراقي كافة مستفيدة من الفراغ الأمني والديموغرافي الذي أوجدته وحشية تنظيم «داعش» لتفرض احتلالاً لجزء من الأراضي العراقية يوفر لها ممراً آمناً لتجارة النفط المنهوب من العراق وسورية عبر ما يسمى إقليم كردستان العراق! غير أن الأسوأ أن النظام التركي لم يشعر حتى الآن بالحاجة إلى المساهمة في الحفاظ على الأمن والاستقرار في العراق باعتبار أن هذه المسؤولية تقع على عاتق إيران.
أما على صعيد الكيان الإسرائيلي، فإنه لابد من الإقرار بأن أردوغان نجح في إيهام الرأي العام العربي والإسلامي من خلال حركاته البهلوانية في بعض المؤتمرات وفي موضوع سفينة «مرمرة» أنه النصير الأول للقضية الفلسطينية محاولاً تقمص شخصية «صلاح الدين» السياسي، فحشر نفسه شريكاً «إسلامياً» وإقليمياً في الحلول المفترضة كما الصراعات والحروب من بوابة هذه القضية المركزية، وساعده في ذلك حركة «حماس» فرع ما يسمى تنظيم «الإخوان المسلمين» في فلسطين المحتلة. أما اليوم ومع سقوط مشروع هذا التنظيم لـ«أخونة» المنطقة وتوظيفها في مشروع «السلام» الأميركي، أعاد أردوغان ترتيب أولوياته المصلحية وفي مقدمتها تطبيع العلاقات الإستراتيجية مع كيان العدو الإسرائيلي بما يخدمه في إطار لعب دور المنسق الإقليمي للعلاقة بين حلف «الناتو» وإسرائيل انطلاقاً من أن تركيا الموقع الأبرز والوحيد لهذا الحلف في المنطقة العربية والإسلامية.
هذا على الجبهة الإقليمية، أما على جبهة روسيا الوافد الجديد-القديم إلى المنطقة فإن حسابات أردوغان لم تتطابق مع الوقائع الاقتصادية والسياسية والأهم العسكرية. فإلى جانب الحظر التجاري ومهاجمة وتعطيل مواقع الإنترنت التركية كافة في آذار الماضي- كما تؤكد تقارير أميركية. جاء التطويق الروسي لتركيا من الأطراف السورية والأرمينية وإمداد حزب الاتحاد الديمقراطي السوري حليف حزب العمال الكردستاني العراقي بالسلاح والعتاد وأهمها الصواريخ الجوية والتي ظهرت في أحد تسجيلات اليوتيوب وهي تسقط مقاتلة مروحية تركية من نوع «كوبرا» لتثير الذعر في مراكز القرار في أنقرة. لكن الأهم أن هذا التسجيل تم بثه إثر تهديد أعلنه أحد المسؤولين الروس ويدعى سيميون باغداساروف من أن موسكو لن تتورع عن تزويد العمال الكردستاني بصواريخ مشابهة كردٍ على استعمال مجموعات إرهابية في سورية لصواريخ أرض-جو تؤكد مصادر أميركية وروسية على السواء أنها وصلتها من دول خليجية عربية عبر تركيا.
اضطر أردوغان مجبراً إلى الاعتذار من موسكو وإلى التحدث أكثر من نصف ساعة مع الرئيس بوتين، فمفجرو مطار «أتاتورك» في إسطنبول وفقاً للتقارير الأولية هم من أصول روسية وقيرغيزية وأوزبكية وبالتالي لابد من التعاون مع المرجعية الروسية لاستدراك مخاطر أمثال هؤلاء الذين قد يطيحون بجنة الاستقرار التركية المُربِحة اقتصادياً وبالتالي شعبياً، هذه الجنة التي تعتبر الاستثمار الأخير الذي يمنع سقوط أردوغان ونظامه.