محاولة انقلابية قد لا تمر «مرور الكرام»
| صياح عزام
سيمضي وقت قد يطول وقد يقصر قبل التعرف بشكل دقيق على ملابسات ما حصل في تركيا ودوافعه ومن قام بتخطيط وتنفيذ المحاولة الانقلابية إلا أن الساعات الخمس من ليلة 15 تموز 2016 التي هزت تركيا والمنطقة بأسرها، أفرزت جملة من الحقائق والمعطيات أهمها:
– إن أردوغان مهتز سياسياً وأمنياً وحتى شعبياً، لأن من خرج لمساندته لا يمثل 3% من الشعب التركي، بينما الأغلبية أغلقت الأبواب والتزمت بأوامر الجيش، ما يشير إلى تضامنها مع قادة الانقلاب.
– إن الديمقراطية والعلمانية لا يمكن أن تستقرا على قاعدة «التحريض والتجييش» الأيديولوجي، ولا سيما إن كان مغلفاً بخطاب ديني طائفي أو مذهبي كما هي الحال في تجربة حزب العدالة والتنمية وأردوغان، فمثل هذا الخطاب كفيل بتفتيت وحدة البلاد والعباد، وإيجاد حالة من الانقسام والاستقطاب، وضرب النسيج الاجتماعي، الأمر الذي ترك انعكاساته على البنية التحتية والمؤسسية للدولة بجميع أجهزتها، إذ لا معنى للديمقراطية من دون المحافظة على التعددية، وصون حقوق مختلف المكونات، فالسنوات الخمس الماضية من حكم «الزعيم الأوحد» أحدثت اختلالات كبرى في تركيا أهمها شيطنة المعارضة وتخوينها وشن أقذر الحروب في الداخل والخارج.
– لقد حوّل أردوغان تركيا إلى سجن كبير للصحفيين، وتغوّلت في ظل حكمه السلطة التنفيذية على القضاء، وجرت عمليات تهميش ممنهجة لكل مواقع نفوذ التيارات السياسية والفكرية الأخرى لمصلحة اجتثاث العلمانية وأسلمة الدولة والمجتمع وتكوين أجهزة تدين بالولاء لأردوغان وليس للدولة ومؤسساتها.
– إن الشيء الأكثر أهمية في ضوء هذا الانقلاب هو السؤال التالي: إلى أين ستسير تركيا بعد الذي حصل؟ الأرجح أن أردوغان سيمضي في تعزيز سلطاته ونفوذه الفردي وتجاهل المؤسسات والدستور والسلطات الأخرى، متخذاً من محاولة الانقلاب ذريعة لتصفية حساباته مع خصومه في الداخل والخارج.
– أظهرت الساعات الخمس التي هزت تركيا أن العديد من العواصم الكبرى تُخفي من مشاعر العداء للرئيس التركي وحزبه أكثر مما تظهر من مشاعر الود، إذ إن المواقف الدولية من محاولة الانقلاب، تميزت بالحذر والترقب في ظل الغموض الذي خيم على الأوضاع في البداية، إلى حين انجلى غبار المواجهات وتبين أن أردوغان باق على قمة السلطة حيث تغيّرت النبرة، وبدأ الحديث عن دعم الحكومة المنتخبة ديمقراطياً! بمعنى أن المعايير المزدوجة حكمت المواقف.
– من المؤكد أنه لو ذهب أردوغان وبحجج الانقلاب لحصلت أمور كثيرة ومهمة منها: انتهاء معاناة السوريين والعراقيين من الإرهاب الذي ترعاه تركيا، وتوقف الهجرة والموت غرقاً في البحار، وتوقف تجارة الآثار والأعضاء البشرية في العالم، وانكسار شوكة الإخوان المسلمين وتفجيراتهم في مصر وغيرها، وبداية انتهاء الإرهاب الداعشي الدموي في المنطقة والعالم. كل هذا وغيره كان سيحصل لو نجح الانقلاب.. ولكن هذا ليس في مصلحة أميركا وعملائها. وللتذكير هنا، فإن القائمين بمحاولة الانقلاب – كما ذكرت وسائل إعلامية مطلعة- قد أصدروا أمراً بسحب القوات التركية من العراق، وبقصف مواقع تمركز تنظيم داعش الإرهابي على الحدود السورية التركية؛ ومثل هذا الأمر، اعتبرته واشنطن أنه يتعارض مع مصالحها، وأن قادة الانقلاب قد يهددون الوجود العسكري الأميركي في تركيا لاحقاً.
على أي حال نعود للقول إن محاولة الانقلاب هذه وإن لم تنجح، فلن تمر مرور الكرام، بل ستكون لها تداعيات ومنعكسات كثيرة على الداخل التركي، وعلى دور تركيا الإقليمي والدولي، كما تشير المحاولة من جانب آخر إلى أن أكثر من 60% من الجيش التركي نفذوا المحاولة ودعموها بما في ذلك أركان القوى الجوية والمشاة والمدرعات، ما يدلُّ على أن الجيش التركي غير راضٍ عن حكم وسياسة أردوغان الداخلية منها والخارجية، ولا سيما أن أردوغان عمل على تهميشه باعتباره حارساً للعلمانية.
كذلك يمكن التأكيد أن تركيا دخلت في نفق مُظلم في ظل حكم الطاغية أردوغان وأن أوضاعها لن تستقر في ظل أحلامه السلطانية.